أظننى كتبت عن هذا الموضوع بابا كاملا فى كتابى "سر تخلف العرب والمسلمين"، والأساس أن القرآن نبه فعلا إلى أنه كما توجد سنن كونية في إطار المادة تجعل درجة الغليان مثلا عند المائة، ودرجة التجمد عند الصفر، أو تجعل للغازات ضغوطا معينة.. كذلك الأمر فى الحضارات البشرية، وانهيارات الأمم وانتصاراتها: إنها تخضع لقوانين لا يمكن أن تتبدل. ولقد نبه القرآن إلى هذا فى قوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا * استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا). سنن الله فى المجتمعات هى صور أخرى مكملة أو امتداد طبيعى لسننه فى ميادين العلوم التطبيقية، وإن كانت كيميائية أو فيزيائية أو نباتا وحيوانا، أو أى شىء. ليس هناك فوضى فى الكون، من ناحية البناء العلمى له، ومن ناحية الانطلاق الحضارى. سنن قائمة بيقين وسنن ثابتة.. وقد انطبقت هذه السنن على صاحب الرسالة نفسه، نصرا وهزيمة. فعندما قصروا فى اتخاذ الأسباب المطلوبة لاستكمال النجاح فى "أحد" هزموا، وقيل لصاحب الرسالة: (ليس لك من الأمر شيء)، وإذا استكملوا أسباب الانتصار، وانتصروا.. وما يتصور أن أمة من الأمم تحابى أو تستثنى من هذه القوانين. وقد طبقت هذه القوانين نفسها على أمتنا خلال الأربعة عشر قرنا من تاريخها.. وقد ذكرت نماذج لهذه القوانين من مثل قوله: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهذه السنة المطردة ذكر بها القرآن عند هزيمة المشركين فى بدر فقد قال لهم: (ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد * كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب * ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع