بعد أن تعرضت للاضمحلال والانحلال عندما فرطت فى سنن الله الكونية والاجتماعية، وظنت أن المواجهة العسكرية والسياسية العمياء فقط، كافية فى استئناف النهوض. السنن القرآنية من الإدراك إلى التسخير الحقيقة التى لابد أن نعرض لها ونطرحها للنقاش والمدارسة، ويبقى الحوار حولها قائما ومطلوبا بالنسبة للقرآن الكريم: قضية إدراك هذه السنن، ذلك أن الحال التى نحن عليها، أصبح يتردد فيها ضرورة الانتباه إلى سنن الله فى الأنفس والآفاق التى تحكم شروط النهوض والسقوط الحضارى.. أصبحنا نسمع بضرورة الإفادة من هذه السنن، بل لعل ذلك أصبح قناعة عند الناس بشكل عام.. لكن هذه القناعة لم تجد طريقها إلى الممارسة، ولم تنتقل بمواقعنا إلى مراحل تغييرية، فما يزال هناك قيود التقليد الاجتهادى من ترسيبات الماضى، فلا تسأل إنسانا إلا ويقول: إن القرآن عرض لسنن وعوامل نهوض الأمم وسقوطها، وفيه سنن لا تخطئ ولا تحابى أحدا، وما إلى ذلك.. لكن أرى أن المشكلة تتركز اليوم فى: إدراك هذه السنن وحسن تسخيرها والتعامل معها.. كيف يمكن للأمة بواقعها الحالى، أن تنتقل من موقع المعرفة والفكر إلى موقع الفعل؟ وإن كنت لا أزال أرى أن ما نسميه قضية مناهج الفكر والمعرفة لم تأخذ منا الأبعاد الحقيقية؟ لأنها لو أخذت أبعادا حقيقية، لكانت الأمة انتقلت من الفكر إلى الفعل، فالتحول وأعمال هذه السنن، هو المختبر الحقيقى لإدراكها والقناعة بها. بل لعلنا نقول: إن هذه القضية لم تشكل مناخا عاما يعيشه المجتمع، أو لم تحفر بعد فى واقع الأمة المجرى المطلوب لسيرورتها. قد تكون مشكلتنا اليوم فى التعامل مع القرآن كالعاصى من البشر الذى يسمع آيات تدعو إلى التوبة فلا يدرك أبعاد معصيته وضرورة الالتفات إلى التوبة المودعة فى الآيات، وإنما يلتفت إلى موسيقى القراءة ونغم التالى، فيقول :" الله.. الله " للنغمة التى يسمعها، فلا يتدبر ولا يفكر قط فى أن يصنع شيئا للانتقال من