ربما تحمل أشياء فيها جراثيم.. ولنفترض جدلا أن الرجل قال: إنها جراثيم، أو تحمل جراثيم، فهل الذى يعنينا من دراسة الآية تكفير الناس؟ أم إنه كان من الممكن الاستفادة من القصة على نحو أخصب وأوقع فى النفوس، وأنفع للمجتمع والحاضر والمستقبل على السواء؟ انقلاب الوسائل إلى غايات فى تصورى: أن من كتبوا فى القصص القرآنى، غلب عليهم إبراز الجانب الفنى، وأخذوا بالناحية البلاغية حتى كادت تكون هى الهدف فى أعمالهم، مع أنها الوسيلة وأداة التوصيل، القالب الفنى الذى يغرى الإنسان بالإقبال على القرآن وفهم أبعاد الآيات، لذلك فقد تكون المشكلة أو الإصابة فى التعامل مع القرآن هى فى: انقلاب الوسائل إلى غايات.. لقد غابت الأهداف والمقاصد وتركز الاشتغال بالوسائل، والأشكال، وغاب من القصص الشهود الحضارى التاريخى الذى لابد من استصحابه للعبرة وتحقيق الشهود الحضارى للأمة المسلمة، وأبدل بالبحث عن مخارج الحروف وإعراب الكلمات، وبيان الاستعارات، وما هى إلا وسائل وأدوات للوصول إلى تذوق القرآن وتدبره، فأصبحت بالشكل الذى هى عليه: معوقات وحواجز بين المسلم وكتابه الخالد! فى كتابى "المحاور الخمسة فى القرآن " كتبت شيئا موجزا عن القصص القرآنى، واقتصرت على ذلك، تاركا الموضوع كله لمن وكل إليه أن يكتب فى هذا الباب آو هذا المحور من محاور القرآن الكريم.. القصص فى القرآن أساس التربية، لا التربية النفسية فقط بل العقلية أيضا. العقل الإنسانى يجب أن يحرر من قيود الوراثة المخرفة، وأن يكون قادرا على الحركة بل أنا أرى أن القرآن يهدف إلى بناء أو إنشاء عقل تجريبى.. عندما يقول تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). كأن من نتائج السياحة فى الأرض أن ننشئ عقلا.. ننشئ فكرا يستمد معارفه وأسلوبه فى الفهم من واقع الناس.. فالسير فى الأرض ينشئ بصائر الناس.


الصفحة التالية
Icon