الممكن أن ينكشف ضرر هذا المسلك لو أنه حدثت عودة إلى دولة الخلافة، لكن الذى حصل أنه جاءت الدولة العباسية بعد الدولة الأموية، فوقع فى نفوس الناس يأس من أن يحقق الإسلام بمفهومه الكامل مائة بالمائة، فاكتفوا بتحقيق الناحية الفرعية فى فقهه، والناحية العبادية الفردية، وتأثرت السياسة الإسلامية تأثرا واضحا، وانهزمت الشورى انهزاما واضحا، ووقع للأمة ما وقع. ولكن لاشك أن الإسلام فى جملته بقى.. وأن الملوك الذين تبنوا الإسلام، تبنوا منه المجموع من المعارف التى لا تصطدم بوجودهم، ولا بأحوالهم الاقتصادية التى تحيط بهم أو يشكلونها لحراسة سلطتهم.. ومن خرج على هذا الخط، إما تصوف وابتعد، أى انسحب من الميدان بالتصوف، وإما عاش يتحمل شيئا من الأذى، ويبقى الكيان الإسلامى نظريا، وقد تستبقيه الحكومات القائمة لينجح فى أداء هذا المعنى، للاحتفاظ بالصورة النظرية للإسلام. ولهذا فإن العلم المستمد من القرآن الكريم والسنة الصحيحة، انفصل عن الحكم من عصر مبكر، وانكمش، وأصبح تعليقا مرا ولاذعا عند واحد مثل الحسن البصرى لما قيل له: لص مأخوذ إلى الحاكم، قال: سبحان الله، سارق السر يُسعى به إلى سارق العلانية.. فهو يرى أن الحاكم المستغل لص، وأن اللص الصغير يقاد إلى اللص الكبير، واكتفى بهذا التعليق. لكن، هل يستطيع أن يتحول إلى ثائر؟ هو رأى مصارع الخوارج، وبطش الحجاج بالشعوب، فرأى أنه يمكن استبقاء الإسلام علميا ونظريا وتربويا بالطريقة التى يمشى بها.. وهكذا مشى غيره من الدعاة والوعاظ والعلماء، فكانت أول شعبة معطوبة فى شعب الإسلام هى الحكم.. ص _٠٦٧


الصفحة التالية
Icon