وضياع الحكم من قيم الإسلام، ومن تأثيرات الإسلام على المجتمع، له نتائج خطيرة.. فلقد أعقب ضياع الحكم، وانفصال العلم عن الحكم أو الثقافة عن السياسة، انفصال آخر فيه خطورة شديدة على الأمة وهو أن العلم الإسلامى انقسم بين فقهاء ومتصوفة، مع أن التربية التى أساسها العقيدة والأخلاق، جزء من مقاصد القرآن الذى جاءت آياته لتدريب الأمة على العقيدة والأخلاق بطرق شتى. فوجد فقهاء يشتغلون بالمعاملات وبظواهر العبادات، ووجد مربون يشتغلون بالأخلاق والتربية، فكثير من هؤلاء فقدوا الناحية الروحية التى فيها حرارة وعاطفة، (وهم الفقهاء)، وكثير من أولئك فقدوا الناحية العلمية التى فيها ضوابط وقانون، فنشأ عن هذا زلزلة فى الفكر الإسلامى. ذلك أن انفصال الفقه عن التصوف، أو انفصال التصوف عن الفقه، أضاع الأمة، فوجد ناس متعبدون مبتدعون لا وعى لهم، ووجد مشتغلون بصور العبادات وصور الفقه وليست لهم روح أو خشوع، وشكا من هذا ابن تيمية، وبعض علماء الحديث رحمهم الله. اختلال فى العلم الدينى: ثم وجد بعد ذلك فى العلم الدينى، من عكف على القرآن دون بيان السنن، أو عكف على السنة دون موازين القرآن، فانضم إلى السنة حشد هائل من الموضوعات والواهيات، سببت بلبلة فى الفكر الإسلامى. وهناك شىء أخطر من هذا كله، وهو أن علوم الحياة نبغ فيها نوافي مثل جابر بن حيان فى الكيمياء، والحسن بن الهيثم فى البصريات، والخوارزمى فى الرياضيات و.. وغيرهم لكن، مع الأسف، أن هؤلاء عاشوا على هامش المجتمع الإسلامى ولم يعيشوا فى صميمه، واعتبرت هذه الأشياء التى يشتغلون بها ليست نوافل فقط، ولكن دون النوافل، مع أن المجتمع لا يقوم إلا بها. فالغش الذى وقع فى الثقافة الإسلامية، وقع أولا فى الفقه نفسه، فانحسر بعيدا عن فقه العمل والعمال، وفقه الدولة انفصل وذهب، وتوسع فى العبادات بطريقة تكاد تكون مضحكة وتعددت الصور، لأن الفقهاء يريدون ملء الفراغ. حتى فى هذه النقطة،