يمكن أن نقول: إنه انتهى إلى تجريدات ذهنية تكاد تضيع مقاصد الشريعة، مما دفع بعض الفقهاء للتحول عن القياس إلى الاستحسان، لأن تطبيق القياس بشكل الى قد يذهب بالمقصد.. ص _٠ ص
الاستحسان كما يقول الأحناف: ليس اتباعا للهوى وإنما هو نقل الحكم من ملحظ إلى ملحظ آخر. هذا كله فى جانب واحد وهو الجانب الفقهى الذى نعتبره إلى الآن أحسن الجوانب فى الثقافة الإسلامية، أو بالأصح أكبرها مساحة.. لكن المشكلة فى النظر إلى القصص القرآنى.. لقد انتقل من دراسة تاريخية لقيام الحضارات وانهيارها إلى دراسة روائية ليس فيها حس بسنن الله الكونية إطلاقا.. فوجدت أساطير، ووجدت الإسرائيليات مجالا واسعا عند القصاصين، وكان على بن أبى طالب رضى الله عنه ينظر ماذا يقول القصاصون فيطردهم من المساجد ولم يستبق إلا الحسن البصرى رحمه الله. والقصص بالمعنى الخرافى انتشر فى الأمة الإسلامية ومس السنة بسوء عن طريق الوضاعين الذين اخترعوا أشياء كثيرة لكى يرضوا العوام وأصحاب الطفولة العقلية والصغار. التفسير القرآنى ابتعد أيضا عن روح القرآن ومقاصده، فالمحاور القرآنية بشكل عام، لم تجد من يتبناها ويمشى مع آفاقها لكى يحققها فى الحياة.. بل بالعكس، الأسلوب الفقهى تغلب على أنواع البحث التى كان يجب أن تبتكر فى الميادين الأخرى.. فإن ما يحتاج إليه الطبيب غير ما يحتاج إليه الكيماوى.. وما يحتاج إليه المهندس الزراعى غير ما يحتاج إليه الفلاح.. فكل شىء له من طبيعته منهج يسير عليه.. امتداد هذه المناهج، يكاد يكون فى ثقافتنا، صفرا. الفقه الحضاري كلمة "فقه " ـ كما وردت فى القرآن ـ لاشك أنها تعنى أكثر بكثير من المدلول الذى حدده الفقهاء بأنه هو استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، حتي أن الله سبحانه وتعالى قال عن المشركين بعد هزيمتهم فى غزوة بدر: ( ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) فعملية الفقه إنما استخدمت فى القرآن لمعنى أوسع بكثير من المعنى


الصفحة التالية
Icon