الاصطلاحى الفقهى.. إنه الفقه الحضارى بكل ما تشمل كلمة حضارة من أبعاد. ص _٠٦٩
المعنى اللغوى، معروف فى اصطلاح الفقهاء، هو هذا العلم المتصل بأحكام العبادات والمعاملات.. أما المعنى الشامل للفقه كما ورد فى القرآن، فكان الكلام فيه مستبعدا، لأن الحاكم كان يرفض أن يكون الكلام فى الشورى، وحدود ما له وما عليه. أقصد أنهم حصروا كلمة "الفقه " فى قول الرسول ـ ﷺ ـ :"من يرد الله به خيرا يفقه فى الدين "، أى بالحكم التشريعى. نسوا الفقه بالمعنى اللغوى الشامل، وغلب الاصطلاح، حتى لتستغرب كلمة فقه اللغة.. وأنا عندما ألفت كتابى " فقه السيرة " تصور بعض إخواننا أن الكتاب هو كتاب فى الفقه. ولكن أنا قصدت به عرضا للسيرة النبوية يتتبع مراحلها ليعرف: كيف كانت الدعوة هنا؟ لماذا أعلنت الحرب هنا؟ ما موقف المسالمة وما موقف المخاصمة؟ فأردت أن أعطى للناس فهما.. كان الناس يفهمون أن الرسول ـ ﷺ ـ مظهر فقط للأوامر التى تأتى من عالم الغيب.. فأفهمت الناس عن طريق كتاب " فقه السيرة " أن الرسول ـ ﷺ ـ إنسان، كامل، يتصرف فى مواجهة الأحداث بالعقل الذى صنعه القرآن.. وهو العقل الإنسانى الذى تحرك مع مسارات الفطرة لكى ينصر الله ويعلى كلمته.. هذا ما أردته.. المهم أن كلمة " فقه " من الناحية اللغوية لها أبعاد غير ما استقر فى الأذهان.. فنجد أن هناك فقها للفلك، وفقها للنفس، وفقها للأخلاق، وفقها للحضارة، وهذا ما نلمحه من قوله تعالى: (فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم) إلى أن يقول: (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون). ما الفقه هنا إلا معرفة مستقر النفس الإنسانية قبل أن توجد وهى فى الرحم لأن الآية: (نقر في الأرحام ما نشاء): ص _٠٧٠