وترده إلى المكان الذى جاء منه، وهو غير مروع، وتحميه ليدخل بعد ذلك الإسلام وهو مطمئن.. فكيف يفهم هذا المعنى من هذه الآية مع أنك فسرت ما قبلها وما بعدها على أن الإسلام دين هجوم وقتال؟ فشمول النظرة القرآنية أمر لابد منه لكى تعطى الأحكام الصحيحة حتى من الناحية الفقهية التشريعية، فإذا أدركنا أن الإنسان مخلوق سوى، له سمع، وله بصر، وله فؤاد، ولابد أن يستغل هذه الوظائف جميعا فى تصحيح إنسانيته، والعيش بها، أدركنا أنه لا يمكن أن يتم هذا الذى قاله القرآن الكريم فى مكان آخر مع إباحة الإكراه. فكيف تكره أحدا؟ إنك بهذا تلغى إنسانيته.. وما فائدة الحكم الشرعى إذا فقد الإنسان الذى يطبق الحكم الشرعى؟ الله سبحانه وتعالى حذر المسلمين مما وقعت به الأمم السابقة من أن عملية التبعيض موصلة إلى الخزى.. وذكر علل التدين فى الأمم السابقة هو تحذير للأمة المسلمة حتى لا تقع فيما وقعوا فيه، فيلحق بها ما لحق بهم.. يقول تعالى: (كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين) أما تفسير قوله تعالى: (كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين) فإنى أحب ربط الآيات بالسياق الذى وردت فيه حتى يتضح معناها: إن الله امتن على نبيه محمد بالقرآن الكريم، وهو عطاء ضخم، أضحى محمد به خاتم الأنبياء وصاحب الهدايات الباقية إلى آخر الدهر. وتعلم هذا القرآن فضل لا يزنه فضل آخر، إن رجلا أوتى القرآن ثم ظن غيره أوتى خيرا منه فقد حقر عظيما أو عظم حقيرا، فكيف بمن اصطفاه الله لتلقى آياته من السماء؟ لقد سبق سبقا بعيدا، ولذلك قيل للرسول الكريم: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم * لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين). إن الغنى لا يمد عينه إلى المحرومين، مهما أوتوا من متاع الدنيا، وإذا كذبوه فلا تذهب نفسه عليهم حسرات (عليه أن يهدى الآخرين وأن يفتح قلبه ويخفض جناحه لمن اهتدى به