خلود القرآن.. هل يعنى خلود أصول المشكلات التى يعالجها من المسلمات عند المسلمين ـ من سلف وخلف ـ أن القرآن هو كتاب الله الخالد المجرد عن حدود الزمان والمكان، الذى ورد بالتواتر ـ أى: ما يفيد علم اليقين ـ وإنه خطاب عالمي إنسانى شامل، نزل ليرسم الطريق الصحيح للبشرية ويعالج مشكلاتها، ويضع حلولا لها فى كل زمان ومكان، وكانت أسباب النزول هى أشبه ما تكون بنماذج ووسائل إيضاح أو وسائل معينة لإيضاح تطبيق النص وتنزيله على الواقع، وتبقى العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما يقول العلماء. والقضية المطروحة هى: طالما أن الخلود سمة القرآن الكريم، فهذا يعنى من وجه آخر: خلود المشكلات والقضايا الإنسانية التى جاء القرآن لمعالجتها فى أصولها، وإن تغيرت فى بعض فروعها وألوانها.. أى أن القرآن خالد، والقضايا الإنسانية المطلوب علاجها خالدة أيضا، من بعض الوجوه. ولا تزال فى الإنسانية حالات كفر ونفاق، وضعف إيمان، واستكبار، وعلل نفسية، وصور من الولاء والبراء والسقوط والنهوض، والنصر والهزيمة.. الخ. فكيف يمكن والحالة هذه أن نعمل بعض الآيات ونعطل بعضها بسبب القول بالنسخ؟ وفى الوقت نفسه نقول بالخلود؟ وكيف يمكن مواجهة الحالات المتعددة التى ستطرأ على الحياة الممتدة المتطورة، ومعالجتها بحل واحد انتهت إليه الجماعة المسلمة الأولى، فى ظرف تاريخى معين، وشروط ميلاد وتطور معروفة؟ هذه قضية هامة فى نظرى، ولابد أن نعرض لها بشىء من الإفاضة والتفصيل إلا إذا اعتبرنا المجتمع الإسلامى الأول هو البداية والنهاية وبذلك نكون قد وقتنا القرآن بشكل عملى وإن كنا نرفض ذلك بشكل نظرى؟ كنت كتبت فى كتابى "نظرات فى القرآن "، أن بعض الناس جاء لابن عباس رضى الله عنهما وقال له: يتشابه على القرآن.. قال له: لماذا؟.. قال: أجد فى بعض السور مثلا قوله تعالى :(وقفوهم إنهم مسئولون) وفى سورة أخرى: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان). ص _٠٧٩