فكيف يكون التلاقى بين الآيتين؟.. كان جواب ابن عباس: إنها مواقف.. فى بعض الأحوال يكون المتهم مسئولا فيتحقق معه.. وعندما يتم التحقيق ويبدأ التنفيذ لا يسأل ولا يستقصى ولا ينتظر منه دفاع. انتهى الأمر.. وتفسير ابن عباس واضح فى الموضوع.. ففهمت من هذا أن القرآن إذا كانت هناك آيات تصف جانبا من المجتمع البشرى أو بعض الحقائق التى فيه، وآيات أخرى قد ينظر إليها أنها مخالفة للآيات الأولى، فهى فى الحقيقة لا تخالف، لأن لكل آية مجالها الذى تعمل فيه، والحقيقة التى تمثلها وتوجه البشرية من خلالها، لأن الحياة ليست موقفا واحدا، وليست قضية واحدة، وليست صورة واحدة إطلاقا.. الحياة استمرار.. والمهم عندى، أو الحكمة فى نظرى هى: كيف تنزل آيات القرآن على الواقع المختلف من مكان لمكان ومن زمان لزمان؟ وهذه هى الحكمة: (يؤتي الحكمة من يشاء). كذلك نزل القرآن خلال ربع قرن تقريبا.. القول بأن للآيات أسباب نزول، هذا حكم خاص، وليس حكما عاما. ما سبب نزول سورة يوسف كلها؟.. ليس لها من سبب نزول، إنما القصة قصة هداية جاءت من عند الله.. وعندما يبدأ القرآن الكريم، من سورة البقرة، يتحدث عن الإيمان والكفران والنفاق وأقسام البشرية.. الخ فما سبب النزول؟ إنما هو يصف الواقع الذى يعرف فى حياة البشرية كلها. إن البشر عندما يعرض عليهم عقيدة، هناك دائما من يكفر بها، وهناك من يؤمن بها، وهناك من ينافق معها.. والقصة ليست مرتبطة بتطبيق عملى فى جانب من الجوانب وحده.. ولهذا فمن الخير أن يفهم القرآن كله على أنه ليس هناك جانب حى فيه وجانب معطل. خلود القرآن يعنى: أن القرآن قادر على الاستجابة لكل الحالات، وفى الظروف كلها.. وكما أن الآيات خالدة، فإن المشكلات خالدة، حتى يكون هناك تواز بين المشكلات والآيات.. وتبقى الحاجة للقرآن قائمة فيما تتقلب به البشرية من كفر، ونفاق، وهبوط، وصعود، وما إلى ذلك.. أما إذا اعتبرنا أن بعض الآيات نسخت لأن


الصفحة التالية
Icon