هذا الأمر مسلم فيه، كقناعة. لكن حينما نأتى لنقول: هذه الآية نسخت التى جاءت لمعالجة حالة معينة، نسخت بعد انتهاء الحالة فى مجتمع النبوة، فمعنى ذلك أن هذه الحالة سوف لن تتكرر فى البشرية، وليست بحاجة إلى هذا الحل. لا يمكن أن يقع هذا فى القرآن.. آية بطلت لأن حكمها انتهى، والشخص أو الجزء الذى اتصل بها تلاشى، لا يوجد هذا فى القرآن إطلاقا. الذين قالوا بالنسخ فى بعض الآيات التى كانت فى مرحلة من المراحل تشكل حلا لمشكلة قائمة، أو تنزلت على حادثة بشرية قائمة، وقدمت لها حلا، ثم حينما ارتقى المجتمع وجاءت مرحلة أخرى، قالوا : بأن الآية السابقة نسخت مع أن المجتمعات تتكرر فيها مثل هذه الحالة السابقة التى كانت! نعم.. ولذلك خطأناهم.. هذا يشبه حالة النهى عن ادخار لحوم الأضاحى، كما ورد فى قول الرسول ـ ﷺ ـ :" إنما نهيتكم- أى عن أكل لحوم الأضاحى بعد ثلاث - من أجل الدافة التى دفت، فكلوا وادخروا، وتصد قوا " وقوله: " كلوا، وأطعموا، وادخروا، فإن ذلك العام - أى العام الذى نهى فيه عن الادخار - كان بالناس جهد، فأردت أن تعينوا فيها ". ففى يوم ما، قالوا: لا تُختزن لحوم الأضاحى! لماذا؟ لأن الناس فى أزمة، وفى حاجة إلى توسعة.. ثم قيل: خزنوا لحوم الأضاحى، لأن الناس ما تحتاج إلى كل ما ذبح.. فقيل: الثانى نسخ الأول! والحقيقة هى: أن الحكم الخالد هو: إذا كان اللحم الموجود قليلا، لابد من التوزيع وعدم الادخار، وإذا كان كثيرا، تستطيع أن تدخر.. هذا هو الحكم الخالد.. والحكم الجزئى الخطأ، هو أنك قلت: كان الادخار ممنوعا ثم أبيح.. هذا غير صحيح، وهذا عيب الذين يقولون بالنسخ: إنهم يظنون أن حكما انتهى أمره لأن القصة لا تتكرر.. القصة إذا تكررت تكرر معها المتصل بها.. هذا الذى أردت أن أقوله: إن الحوادث تتكرر.. فالآيات الخالدة تقابلها حوادث خالدة.. فالادعاء بتعطيل بعض الآيات باسم النسخ قد يكون محل نظر، وقد