هذا النوع من الفكر أو الأساس القرآني، مهاد صالح لفلسفة إسلامية تمتد بها مدرسة الإسلام الفلسفية لقديمة امتدادا صالحا.. هناك أيضا العلوم الإنسانية، خذ منها مثلا علم التاريخ.. وعلم التاريخ علم مهمل فى ثقافتنا على نحو شائن! ولا أزال أعجب لماذا لم يدرس التاريخ كبحث وتحليل وراء ذلك المد والجزر فى الحياة الإسلامية والدولة الإسلامية والسياسة الإسلامية... والثقافة الإسلامية.. لماذا لم يدرس أسباب الانكماش حينا والتضخم حينا آخر فى تاريخنا؟ تساءلت فى كثير من الأوقات: هل كان سقوط بيت المقدس يمكن أن يمر فى هدوء مع أنه أساس حرب ظلت لنحو ثلاثة قرون، دون أن يكون هناك علم يدرس هذه الأحداث الرهيبة فى تاريخنا؟ يتم هذا الصمت؟ لم تشيع ثمانية قرون فى الأندلس بقصيدة بكاء دون بحوث مستفيضة ومؤتمرات كبيرة لترصد معرفة الأسباب العسكرية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية؟ إن قصص القرآن ـ وآياته أكثر من آيات الأحكام ـ لم يأخذ امتداده أبدا فى حياتنا، بل هناك منهجا هذا العلم (علم التاريخ) واعتبروه علم خرافات.. وهذا شىء عجب! ومن العلوم الإنسانية الجديدة: علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الأخلاق.. هذه العلوم علوم أساسية فى الفلسفة الإنسانية، وهى أساسية فى الثقافة الإسلامية، ومع ذلك لم تأخذ الامتداد المطلوب كما سرى هذا الامتداد فى أنواع الثقافة الإسلامية، الأخرى.. ألحظ أن الفقه الإسلامى تحول فى العصور الأخيرة، بعد قرن أو قرنين من الثقافة الإسلامية، فى نمو غير طبيعى، إلى تصوير أحكام جزئية لا حصر لها، كما تحول علم الحديث إلى نمو غير طبيعى أيضا فى جمع الأحاديث الواهية.. البخارى كل ما فيه: ألفان وبضع مئات من الأحاديث الصحيحة، وهو أدق الكتب بيقين.. فما الذى جعل عشرات الألوف من الأحاديث تدخل ميدان الترغيب والترهيب، وتدخل فى الثقافة الإسلامية؟ هذا التمدد فى خلايا دينية كان على حساب العمل الصحيح فى فهم القرآن والسنة..