القرآن فتح النوافذ أمام النظر العقلى: فالواضح أن الإسلام إطلاق للعقل لا حجر عليه، وإعمال له لا تعطيل لوظائفه.. فقد جاء القرآن دعوة إلى قراءة كتاب الكون، وتأمل أسراره وسننه وحث الفرد على التأمل داخل نفسه وخارجها للوصول إلى تعاون أفضل مع بنى جنسه، وفهم أتم لوحدات الكون وطبيعة المادة. ولكن الإصابات السابقة التى أشرت إليها والتى أحدثت فى ثقافتنا نموا غير طبيعى من تضخم المرويات الواهية، وتضخم الأحكام الفرعية فى الفقه، والذبول فى علم الكون والحياة بموت المكتشفين والرواد الأوائل الذين ذكرنا أسماءهم فى الكيمياء والفيزياء والرياضيات وما إلى ذلك، هذا كله كان سببا فى انحسار واضح فى الجوانب الأخرى من الشمولية القرآنية. وتكونت نظرة دونية إلى من يشغل نفسه بمجال من المعرفة فى غير الوجهات السابقة.. وانعكست هذه النظرة إلى واقع وممارسة، فليس من المصادفة أن رجلا مثل سيف الدولة الذى يهب المئات والآلاف من الدنانير لقصيدة تقال، يرى أن أربعة دراهم فى اليوم كافية لمطالب الفارابى، وأن يعانى الكندى ظروفا ألجأته لاعتزال الناس، وأن يقضى الحسن بن الهيثم بقية عمره كاسبا قوته من نسخ الكتب.. ولعلنا نجد فى ذلك المناخ التفسير لحقيقة كئيبة وهى أن ما وجه من جهد للمجالات الأخرى التى لا تدخل فى صناعة الكلمة مثل الاقتصاد والسياسة والاجتماع، لا يتناسب مع طبيعة ما تقتضيه هذه المجالات، وأن ترى العلوم التجريبية والنظرية تكاد تبتدأ وتنتهى بالأوائل من ص _٠٩١