واضعيها، وأن يكون كتاب "أبو يوسف " فى "الخراج " أهم ما وضع فى بابه.. لقد ابتدأت الكيمياء وانتهت، أو كادت بجابر.. ولم يعرف عمل يوازى عطاء الخوارزمى فى الجبر.. ولم يتقدم علم البصريات.. الخ. الدورالمفقود للعلوم الاجتماعية والإنسانية قد يهمنا لفت النظر إلى وجه آخر للقضية.. لاشك أن تحسيس الأمة بهذا التقصير وما لحق بها من الانحسار فى ميدان العلوم الاجتماعية، والامتداد بعلوم الفقه التشريعى وفرعياته وما إلى ذلك، يقع ضمن مرحلة من التيقظ، أى يعطى الصحوة، أو المسلمين شعورا بالمسئولية، وينبههم إلى آفاق يجب أن يبصروها ليعيدوا عملية التوازن المفقود فى ثقافتهم.. لكن لو عرفنا بعض الأسباب التى أدت بنا إلى هذا الواقع، قد يكون من المفيد، خاصة وأننا اليوم، لا نزال نرى امتدادا لهذه الأسباب.. فكثير من العلماء، والمؤسسات الشرعية، وعلماء الدين، والدارسين، يجدون الأسهل عليهم أن يتخصصوا بالفقه وأصوله، ويأخذوا مما كتبه الأقدمون ويختصروا، ويشرحوا، وما إلى ذلك.. كان التوجه إلى القضية لأنها أصبحت هى الأسهل، من أن ينظروا، ويكتشفوا، ويستنتجوا فى آفاق جديدة تقوم على التأمل والنظر، وقد لا يحسنها إلا النفر القليل، ويعزف عنها الكثير.. لذلك يزداد التراكم، ويزداد التخلف، ويزداد الامتداد فى قضية كان امتدادها فى الأصل غير طبيعى.. وتتضاءل فرص الإبداع، وتغيب شروط النهوض. فلماذا كان الامتداد فى القضية الفقهية فقط، وأهملت بقية القضايا القرآنية فى الكتاب والسنة؟ الذى أشعر به من قديم: أن فساد الحكم فى العالم الإسلامى له جذور ضاربة فى التاريخ، وأن سطوة الحكم الفردى كان من وراء، لا أقول ضمور الدراسات القرآنية، بل من وراء ضمور الفقه نفسه.. فالفقه تضخم حيث يجب أن يكون ضعيفا. الفقه الدستورى هو الذى جعل الأوروبيين يبحثون وراء سلطة قضائية، وسلطة تشريعية، وسلطة تنفيذية، أو هو الذى جعلهم يبحثون عن العقد الاجتماعى بين الحاكم