والمحكوم، هذا الكلام يكاد يكون ميتا عندنا بعد الخلافة الراشدة، لأن سطوة الحكم هى التى ألجمت الأفواه، وجعلت الكلام فى فقه العبادات يبدئ ويعيد، وجعلت الكلام فى كل ما يبعد عن الحاكم.. ص _٠٩٢
الملاحظ أن الفقه عندنا تحول إلى نطاق الفقه الفردى، وغاب الفقه المؤسسى بأبعاده المطلوبة، والدولة هى مؤسسة المؤسسات.. وإلى الآن، فقه العمل والعمال يستورد من الخارج، للأسف.. فقه الإدارة والفقه الدولى والدستورى، يكاد يكون وجودنا فيه إلى الآن صفرا.. ومع أن تلامذة أبى حنيفة هم أول من كتب الفقه الإدارى والفقه الدولى، ومع أن رجالا من أئمتنا منهم ابن تيمية نفسه، تحدثوا حديثا عظيما فى شمولية القرآن بالنسبة إلى المنطق والسياسة، إلا أن واحدا كابن تيمية قضى حياته فى السجون.. والذين يريدون أن يشتغلوا بالإصلاح، إذا وجدوا أن السجن هو الذى يقضون به حياتهم، فإن عددا كبيرا منهم سيبقى بعيدا عن المخاطرة. الناس ألفت أن تعيش حيث وجدت حفاوة الجماهير، أو أوقاف الخير تدر عليهم ليعيشوا بها.. هذا صحيح.. لكن إلى حد بعيد هنالك بعض الآفاق فى العلوم الاجتماعية والنفسية قد لا يكون لها اصطدام مباشر مع السلطة السياسية، وكان يمكن أن تحقق أبعادا كثيرة من الدراسات دون أن تعنى الاصطدام بالسلطة والنظام السياسى.. مع ذلك بقيت ضامرة، ولم تحقق البعد المطلوب أو الموازى للدراسات التشريعية، مع أن القرآن الكريم اعتبرها وسيلة لابد منها لتحقيق الشهود الحضارى (الشهادة والقيادة). الدكتور راشد المبارك له رأى فى هذا: وهو أن العرب اشتغلوا بصناعة الكلمة، أكثر مما يشتغلون بالنواحى الفنية، والنواحى الفكرية، والفلسفية، وهذا جعلهم ينحرفون بكثير من الدراسات المهمة عن طبيعتها، حتى الدراسة القرآنية. وهو يقول إن دلائل الإعجاز ـ وكان الكلام فى بيان عظمة القرآن ـ ما كاد يبرز حتى اختفى، وما ألف فيه شىء يعد على الأصابع، بينما ألفت مئات الكتب فى فروع