صفحة رقم ١١٥
اختصاصاً لمن يتقدم له فيه - قاله الحرالي، وقال الأصفهاني : حفظ الشيء ومراعاته حالاً فحالاً، قال الخليل : أصله الاحتفاظ بالشيء وإجداد العهد به، ) أوف بعهدكم ) أي في جعلكم ممن لا خوف عليهم و لا حزن بسعة العيش والنصر على الأعداء كما يأتي عن نص التوراة في مظانه من هذا الكتاب ) وإياي ) أي خاصة ) فارهبون ) أي ولا تزلّوا اجْعَلْكم في مصير الكافرين بعد الضرب بأنواع الهوان في الدنيا، والرهب حذر النفس مما شأنها منه الهرب لأذى تتوقعه، وخوطبوا بالرهبة لاستبطانها فيما يختص لمخالفة العلم، قال الحرالي : وأطال سبحانه في حجاجهم جرياً على قانون النظر في جدال العالم الجاحد وخطاب المنكر المعانج، وفي قوله تعالى :( وآمنوا بما أنزلت ) أي أوجدت إنزاله ) مصدقاً لما معكم ( تقرير لذلك الكتاب لا ريب فيه، وأمروا كما قال الحرالي تجديد الإيمان بالقرآن لما فيه من إنباء بأمور من المغيبات التي لم تكن في كتابهم كتفاصيل أمور الآخرة التي استوفاها القرآن، لأنه خاتم ليس وراءه كتاب ينتظر فيه بيان، وقد أبقى لكل كتاب قبله بقية أحيل فيها على ما بعده - ليتناءى البيان إلى غاية ما أنزل به القرآن حين لم يعهد إليهم إلا في اصله على الجملة - انتهى.
وفي قوله :( ولا تكونوا أول كافر به ( معنى دقيق في تبكيتهم وأمر جليل من تعنيفهم وذلك أنه ليس المراد من ) أول ( ظاهر معناه المتبادر إلى الذهن فإن العرب كثيراً ما تطلق الأول ولا تريد حقيقته بل المبالغة في السبق، كما قال مقيس بن صبابة وقد قتل شخصاً من الصحابة رضوان الله عليهم كان قتل أخاه خطأ ورجع إلى مكة مرتداً.
حللت به وتري وأدركت ثؤرتي وكنت إلى الأوثان أول راجع
هذا في جانب الإثبات، فإذا نفيت ناهياً فقلت : لا تكن أول فاعل لكذا، فمعناه إنك إن فعلت ذلك لم تكن صفتك إلا كذلك، فهو خارج مخرج المبالغة في الذم بما هو صفة المنهي فلا مفهوم له، وعبر به تنبيهاً على أنهم لما تركوا اتباع هذا الكتاب كانوا لما عندهم من العلم بصحته في غاية اللجاجة فكان عملهم في كفرهم وإن تأخر عمل من يسابق شخصاً إلى شيء، أو يكون المعنى أنهم لم يمنعهم من الإيمان به جهل بالنظر ولا عدم إطلاع على ما أتى به أنبياؤهم من البشر بل مجرد الحسد للعرب أن يكون منهم نبي المستلزم لحسد هذا النبي بعينه، لأن الحكم على الأعم يستلزم الحكم على الأخص بما هو من أفراد الأعم.
فصارت رتبة كفرهم قبل رتبة كفر العرب الجاهلين به أو