صفحة رقم ١١٦
الحاسدين له ( ﷺ ) بخصوصه لا لعموم العرب، فكان أهل الكتاب أول كافر به لا يمكن أن يقع كفرهم إلا على هذا الوجه الذي هو أقبح الوجوه، فالمعنى لا تكفروا به، فإنه إن وقع منكم كفر به كان أول كفر، لأن رتبته أول رتب الكفر الواقع ممن سواكم فكنتم أول كافر فوقعتم في أقبح وجوه الكفر، ولذا أفرد ولم يقل : كافرين - والله أعلم.
ولما نهاهم عن الكفر بالآيات نهاهم عن الحامل عليه لقوله :( ولا تشتروا ) أي تتكلفوا وتلحوا في أن تستبدلوا ) بآياتي ) أي التي تعلمونها في الأمر باتباع هذا النبي الكريم ) ثمناً قليلاً ( وهو رياسة قومكم وما تأخذونه من الملوك وغيرهم على حمل الشريعة، والقلة ما قصر عن الكفاية - قاله الحرالي.
) الحق ) أي ما تقرون به على ما هو عليه من التوراة والإنجيل مما لا غرض لكم في تبديله ) بالباطل ( مما تحرفونه منهما، والحق قال الحرالي ما يقر ويثبت حتى يضمحل مقابله، فكل زوجين فأثبتهما حق وأذهبهما باطل، وذلك الحق فالباطل هو ما أمد إدالته قصير بالإضافة إلى طول أمد زوجه القار - انتهى.
ولما كان اللبس قد يفارق الكتمان بأن يسأل شخص عن شيء فيبديه ملتبساً بغيره أو يكتمه وهو عالم به قال :( وتكتموا الحق ) أي عمن لا يعلمه ) وأنتم تعلمون ) أي مكلفون، وجعله الحرالي على ظاهره فقال : لما طلبهم تعالى بالوفاء بالعهد نهاهم عن سوء العمل وما لبسوا به الأمر عند اتباعهم من ملتهم وعند من استرشدهم من العرب، فلبسوا باتباعهم حق الإيمان بموسى عليه الصلاة والسلام والتوراة بباطل ما اختذلوه من كتابهم من إثبات الإيمان لمحمد ( ﷺ ) وبالقرآن، فكتموا الحق التام الجامع ولبسوا الحق الماضي المعهود بالباطل الأعرق الأفرط، لأن باطل الحق الكامل باطل مفرط معرق بحسب مقابله، وعرفهم بأن ذلك منهم كتمان شهادة عليهم بعلمهم بذلك إفهاماً، ثم أعقبه بالشهادة عليهم بالعلم تصريحاً - انتهى.
وفي هذه الآية أعظم زاجر لأهل الكتاب عما أظهروا فيه من العناد، ومن لطف الله تعالى زجر القاسي البعيد ونهي العاصي القلق إلى ما دون ذلك من تنبيه الغافل وزيادة الكامل.
قال الإمام أبو الحسن الحرالي في كتاب العروة : وجه إنزال هذا الحرف - يعني حرف النهي - كف الخلق عما يهلكهم في أخراهم وعما يخرجهم عن السلامة في