صفحة رقم ١٧٦
كان على غيره أجرأ مشيراً إلى أنه لا يفعله عاقل ختمه بقوله :( وهم يعلمون ) أي والحال أنهم مع العقل حاملون للعلم فاهمون له غير غافلين بل متعمدون.
ولما كان الكلام مرشداً إلى أن التقدير فهم لجرأتهم على الله إذا سمعوا كتابكم حرفوه وإذا حدثوا عباد الله لا يكادون يصدقون عطف عليه قوله ) وإذا لقوا الذين آمنوا ( بنبينا محمد ( ﷺ ) ) قالوا ( نفاقاً منهم ) آمنا وإذا خلا بعضهم ) أي المنافقين ) إلى بعض قالوا ( لائمين لهم ظنّاً منهم جهلاً بالله لما وجدوا كثيراً من أسرارهم وخفي أخبارهم مما هو في كتابهم من الدقائق وغير ذلك عند المؤمنين مع اجتهاده في إخفائها أن بعضهم أفشاها فعلمت من قبله ) أتحدثونهم ( من التحديث وهو تكرار حدث القول أي واقعه ) بما فتح الله ( ذو الجلال والجمال ) عليكم ( من العلم القديم الذي أتاكم على ألسنة رسلكم أو بما عذب به بعضكم.
والفتح قال الحرالي توسعة الضيق حساً ومعنى ) ليحاجوكم ) أي المؤمنون ) به عند ربكم ( والمحاجة تثبيت القصد والرأي بما يصححه.
ولما كان عندهم أن إفشاءهم لمثل هذا من فعل من لا يفعل قالوا إنكاراً من بعضهم على بعض ) أفلا تعقلون ( ويمكن أن يكون خطاباً للمؤمنين المخاطبين يتطمعون، أي أفلا يكون لكم عقل ليردكم ذلك عن تعليق الأمل بإيمانهم.
ولما كان ظنهم هذا أقبح الفساد لأنه لو لم يكن علمه من قبل الله لم يقدر غيره أن يعبر عنه بعبارة تعجز الخلائق عن مماثلتها وصل به قوله موبخاً لهم ) أولا ) أي ألا يعلمون أن علم المؤمنين لذلك لم يكن إلا عن الله لما قام عليه من دليل الإعجاز أو لا ) يعلمون أن الله ( الذي له الإحاطة بكل شيء ) يعلم ما يسرون ) أي يخفون من قولهم لأصحابهم ومن غيره ) وما يعلنون ) أي يظهرون من ذلك فيخبر به أولياءه.
ولما ذكر سبحانه هذا الفريق الذي هو من أعلاهم كفراً وأعتاهم أمراً عطف عليه قسماً أعتى منه وأفظ لأن العالم يرجى لفته عن رأيه أو تخجيله بالحجاج بخلاف المقلد العاتي الكثيف الجافي فقال ) ومنهم أميون ( ويجوز أن يراد بهم من لا يحسن الكتابة ومن يحسنها وهو غليظ الطبع بعيد عن الفهم، لأن الأمي في اللغة من لا يكتب أو من على خلقة الأمة لم يتعلم الكتابة وهو باق على جبلته وحال ولادته والغبي الجلف الجافي القليل الكلام، فالمعنى أنهم قسمان : كتبة وغير كتبة، وهم المراد بالأميين، وهؤلاء مع كونهم لا يحسنون الكتاب يجوز أن يتعلموا القراءة تلقيناً ولا يفهمون المعاني، ويجوز أن يكون المعنى أنهم قسمان : علماء نحارير عارفون بالمعاني وجهلة غبيون لا حظ لهم من التوراة إلا القراءة الخالية عن التدبر المقرونة بالتمني ولذلك قال :( لا يعلمون الكتاب ) أي بخلاف القسم الذي أكد فيه كونهم من أهل العلم.