صفحة رقم ١٧٧
ولما كان المراد سلب العلم عنهم رأساً أبرز الاستثناء مع كونه منقطعاً في صورة المتصل فقال :( إلاّ أماني ( جمع أمنية، وهي تقدير الوقوع فيما يترامى إليه الأمل، ويقال إن معناه يجري في التلاوة للفظ كأنها تقدير بالإضافة لمن يتحقق له المعنى - قاله الحرالي.
أي إن كانت الأماني مما يصح وصفه بالعلم فهي لهم لا غيرها من جميع أنواعه.
ولما أفهم ذلك أن التقدير ما هم ألا يقدرون تقديرات لا علم لهم بها عطف عليه قوله :( وإن هم إلا يظنون ( تأكيداً لنفي العلم عنهم.
ولما أثبت لهذا الفريق القطع على الله بما لا علم لهم به وكان هذا معلوم الذم محتوم الإثم سبب عنه الذم والإثم بطريق الأولى لفريق هو أردؤهم وأضرهم لعباد الله وأعداهم فقال :( فويل ( والويل جماع الشر كله - قاله الحرالي.
) للذين يكتبون ) أي منهم ومن غيرهم ) الكتاب ) أي الذي يعلمون أنه من عندهم لا من عند الله ) بأيديهم ( وأشار إلى قبح هذا الكذب وبعّدَ رتبته في الخبث بأداة التراخي فقال ) ثم يقولون ( لما كتبوه كذباً وبهتاناً ) وهذا من عند الله ( الملك الأعظم ثم بين بالعلة الحاملة لهم على ذلك خساستهم وتراميهم إلى النجاسة ودناءتهم فقال :( ليشتروا به ) أي بهذا الكذب الذي صنعوه ) ثمناً قليلاً ( ثم سبب عنه قوله :( فويل لهم مما كتبت أيديهم ( من ذلك الكذب على الله ) وويل لهم مما يكسبون ) أي يجدون كسبه مما اشتروه به، وجرد الفعل لوضوح دلالته على الخبث بقرينة ما تقدم وإذا كان المجرد كذلك كان غيره أولى قال الحرالي : والكسب ما يجري من الفعل والقول والعمل والآثار على إحساس بمنة فيه وقوة عليه - انتهى.
وفي هذه الآية بيان لما شرف به كتابنا من أنه لإعجازه لا يقدر أحد أن يأتي من عنده بما يدسه فيه فيلبس به - فللّه المنّة علينا والفضل.
ولما أرشد الكلام إلى أن التقدير : فحرفوا كثيراً في كتاب الله وزادوا ونقصوا، عطف عليه ما بين به جرأتهم وجفاهم وعدم اكتراثهم بما يرتكبونه من الجرائم التي هم أعلم الناس بأن بعضها موجب للخلود في النار فقال تعالى :( وقالوا لن تمسّنا ( من المس وهو ملاقاة ظاهر الشيء ظاهر غيره ) النار ) أي المعدة في الآخرة ) إلا أياماً ( ولما كان مرادهم بذلك أنهم لا يخلدون فيها وكان جمع القلة وإن كان يدل على ذلك لكنه ربما استعير للكثرة فدل على ما لا آخر له أو ما يعسر عده زادوا المعنى تأكيداً وتصريحاً بقولهم :( معدودة ) أي منقضية، لأن كل معدود منقض.
قال الحرالي : والعدّ اعتبار الكثرة بعضها ببعض، واقتصر على الوصف بالمفرد لكفايته في هذا المعنى بخلاف ما في آل عمران.
ولما ادعوا ذلك ادعوا أن المسلمين يخلفونهم بعد ذلك فيها، روى البخاري في الجزية والمغازي والطب والدارمي في أول المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :