صفحة رقم ١٩١
ختماً لا أول له ولا آخر، والفاتحة محيطة به لا يقال : هي أوله ولا آخره، ولذلك ختم بعض القراء بوصله حتى لا يتبين له طرف، كما قالت العربية لما سئلت عن بنيها : هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها.
ولما أخبر بلعنهم سبب عنه قوله :( فقليلاً ما يؤمنون (، فوصفه بالقلة وأكده بما إيذاناً بأنه مغمور بالكفر لا غناء له.
ولما ذكر سبحانه من جلافتهم ما ختمه بلعنهم وكان قد قدم ذكر كتابهم مراراً وأشار إلى الإنجيل بإيتاء عيسى عليه السلام البينات ذكر سبحانه كفرهم بهذا الكتاب الذي مقصود السورة وصفه بالهدى وبهذا الرسول الآتي به دليلاً على إغراقهم في الكفر، لأنهم مع استفتاحهم به ( ﷺ ) قبل مبعثه على من يعاديهم واستبشارهم به وإشهادهم أنفسهم بالسرور بمجيئه كانوا أبعد الناس من دعوته تمادياً في الكفر وتقيداً بالضلال، فكان هذا الدليل أبين من الأول عند أهل ذلك العصر وذلك قوله تعالى :( ولما جاءهم كتاب ) أي جامع لجميع الهدى لعظمته لكونه ) من عند الله ( الجامع لجميع صفات الكمال، ثم ذكر من المحببات لهم في اتباعه قوله ) مصدقاً لما معهم ( على لسان نبي يعرفون صحة أمره بأمور يشهد بها كتابهم، وبتصديق هذا الكتاب له بإعجاز نظمه وتصديق معناه لكتابهم، والجواب محذوف ودل ما بعد على أنه كفروا به، وفي ذلك قاصمة لهم لأن كتابهم يكون شاهداً على كفرهم، ولما بين شهادة كتابهم أتبعه شهادتهم لئلا يحرفوا معنى ذلك فقال ) وكانوا ) أي والحال أنهم كانوا، ولما كان استفتاحهم في بعض الزمان أثبت الجار فقال :( من قبل ) أي قبل مجيئه ) يستفتحون ) أي يسألون الله الفتح بالاسم الآتي به تيمناً بذكره ) على الذين كفروا ( يعني أنهم لم يكونوا في غفله عنه بل كانوا أعلم الناس به وقد وطنوا أنفسهم علىتصديقه ومع ذلك كله ) فلما جاءهم ( برسالة محمد ( ﷺ ) علم ) ما عرفوا ) أي ما صدقه بما ذكر من نعوته في كتابهم ) كفروا به ( اعتلالاً بأنواع من العلل البينة الكذب، منها زعمهم أن جبريل عليه السلام عدوهم وهو الآتي به ؛ قال الثعلبي والواحدي :( روى ابن عباس رضي الله عنهما أن عبد الله بن صوريا حاجّ رسول الله ( ﷺ ) عن أشياء، فلما اتجهت الحجة عليه قال : أي ملك يأتيك من السماء ؟ قال : جبريل، ولم يبعث الله نبياً إلا وهو وليه - وفي رواية : وسأله عمن يهبط عليه بالوحي، فقال : جبريل - فقال :


الصفحة التالية
Icon