صفحة رقم ٢١٧
لجميع أوصاف الكمال ) على كل شيء قدير ( على وجه الاستفهام المتضمن للإنكار والتقرير المشار فيه للتوعد والتهديد، فيخلق بقدرته من الأسباب ما يصير الشيء في وقت مصلحة وفي وقت آخر مفسدة لحكم ومصالح دبرها لتصرم هذا العالم.
ويقضي هذا الكون بشمول علمه بكل ما تقدم وما تأخر.
ولو أراد لجعل الأمر على سنن واحد والناس على قلب رجل واحد
٧٧ ( ) ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعاً ( ) ٧
[ يونس : ٩٩ ]
٧٧ ( ) لجعل الناس أمة واحدة ( ) ٧
[ هود : ١١٨ ] ولكنه مالك الملك وملك السماوات والأرض، يتصرف على حسب ما يريد، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، ولا يسوغ الاعتراض عليه بوجه، وهل يجوز أن يعترض العبد الذي لا ينفك أصلاً من الرق على السيد الثابت السودد على أنه لا يلزمه شيء أصلاً فلا يلزمه الأمر على حسب المصالح ؛ ثم أتبع ذلك بما هو كالدليل على شمول القدرة فقال :( ألم تعلم أن الله ( الجامع لأنواع العظمة ) له ملك السماوات والأرض ( يفعل في ذواتهما وأحوالهما ما يشاء.
قال الحرالي : فهو بما هو على كل شيء قدير يفصل الآيات، وهو بما له ملك السماوات والأرض يدبر الأمر - انتهى.
ولما أتم سبحانه ما أراد من إظهار قدرته وسعة ملكه وعظمته بالاسم العلم الذي هو أعظم من مظهر العظمة في ننسخ وننسا بالإقبال على خطاب من لا يعلم ذلك حق علمه غيره فتهيأت قلوب السامعين وصغت لفت الخطاب إليهم ترهيباً في إشارة إلى ترغيب فقال :( وما لكم من دون الله ( المتصف بجمع صفات العظمة ) من ولي ( يتولى أموركم، وهو من الولاية، قال الحرالي : وهي القيام بالأمر عن وصلة واصلة ) ولا نصير ( فأقبلوا بجميع قلوبكم إليه ولا تلفتوها عنه، وفي ذلك تعريض بالتحذير للذين آمنوا ولم يبلغوا درجة المؤمنين من مخالفة أمره إذا حكم عليهم بما أراد كائناً ما كان لئلا تلقن بواطنهم عن اليهود نحواً مما لقنت ظواهر ألسنتهم، بأن تستمسك بسابق فرقانها فتتثاقل عن قبول لاحقه ومكمله، فيكون ذلك تبعاً لكثرة أهل الكتاب في إبائها نسخ ما لحقه التغيير من أحكام كتابها - أفاده الحرالي وقال : وهو في الحقيقة خطاب جامع لتفصيل ما يرد من النسخ في تفاصيل الأحكام والأحوال بمنزلة الخطاب المتقدم في صدر السورة المشتمل على جامع ضرب الأمثال في قوله تعالى :
٧٧ ( ) إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما ( ) ٧
[ البقرة : ٢٦ ] الآية، وذلك لأن هذه السورة هي فسطاط القرآن الجامعة لجميع ما تفصّل فيه ؛ وهي سنام القرآن، وسنام الشيء أعلاه ؛ وهي سيدة سور القرآن ؛


الصفحة التالية
Icon