صفحة رقم ٢٨
من ماله وشر الدنيا جزءا من سبعين جزءا ولا يءثر هذا الجزء الأدنى لحضوره على ذلك الكل الأنهى لغيابه إلا من سفه نفسه وضعف إيمانه، فتخلص المرء من حرف الحرام طهره وتخلصه من النهي طيبه، وأصل هذين الحرفين في الإنجيل وتمامهما في القرآن.
ثم يلي هذين حرفا صلاح الدين : أحدهما حرف المحكم الذي بان للعبد فيه خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاق نفسه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه من غير التفات لغرض النفس في عاجل الدنيا ولا آجلها، والثاني حرف المتشابه الذي لا يبين للعبد فيه خطاب ربه من جهة قصور عقله من إدراكه ووجوب تسبيح ربه عن تمثل عبده إلى أن يؤيده الله بتأييده. والحروف الخمسة للاستعمال وهذا الحرف السادس للوقوف ليكون العبد قد وقف لله بقلبه عن حرف كما قد كان أقدم لله على تلك الحروف ولينسخ بعجزه وإيمانه عند هذا الحرف السادس انتهاء ما تقدم من طوقه وعلمه في تلك الحروف ابتداء، وأصل هذين الحرفين في الكتب المتقدمة كلها وتمامها في القرآن.
فهذه الحروف الستة يشترك فيها القرآن مع سائر الكتب ويزيد عليها تمامها وبركة جمعها، ويختص القرآن بالحرف السابع الجامع مبين المثل الأعلى ومظهر اللمثول الأعظم حرف الحمد الخاص بمحمد ( ﷺ ) وهو حرف المثل. وعن جمعه وكمال جمعه لمحمد ( ﷺ ) في قلبه وقراءته على لسانه وبيانه في ذاته ظهرت عليه خواص خلقه الكريم وخلقه العظيم، ولا ينال إلا موهبة من الله تعالى لعبده بال واسطة والستة تتنزل بتوسطات من استواء الطبع وصفاء العقل بمثابة وحي النبي وإلهام الولي.
ولما كان حرف الحمد هو سابعها الجامع افتتح الله به سبحانه وتعالى الفاتحة أم القرآن وأم الكتاب وجمع فيها جوامع الحروف السبعة التي بثها في القرآن كما جمع في القرآن ما بث في جميع الكتب المتقدمة، كفضة ثقلت على مريد السفر فابتاع بها ذهبا فذلك مثل القرآن ثم ثقل عليه الذهب فابتاع به جواهرا، فذلك مثل أم القرآن فأذن كمال الحروف التي أنزل عليها القرآن موجودة في جوامع أم القرآن، فالآية الأولى تشتمل على حرف الحمد السابع، والثانية تشتمل على حرفي الحلال والحرام الذين أقامت الرحمانية بهما الدنيا يريد - والله سلحانه وتعالى أعلم - أن الرحمانية وسعت على العباد الاستمتاع بالمخلوق من النعم والخيرات الموافقة لطباعهم وأمزجتهم زقبول نفوسهم في جميع جهات الاستمتاع، فكان في ذلك رحمتان : رحم بالإباحة وهي إزالة حرج الحظر ورحمة يمنع لحاق حرج الإثم أو يجعل المباح شهيا للطبع، وأما الرحيمية فطهرتهم من مضار أبدانهم ورجاسة نفوسهم ومجهلة قلوبهم، ففي ذلك رحمة واحدة وهي حمية المحبوب عن المضار من المحبوب، أو يريد - وهو والله تعالى أعلم أقرب - أن الرحمانية


الصفحة التالية
Icon