صفحة رقم ٢٩
أقامت بعمومها كل ما شملته الربوبية من إفاضة النعم وإزاحة النقم على وجه مسعد أو مشق، والرحيمية أقامت بخصوصها كما تقدم بما ترضاه الإلهية إدرار النعم ودفع النقم على الوجه المسعد خاصة. انتهى.
والآية الثالثة تشتمل على أمر المللك القيم على حرفي الأمر والنهي اللذين ييبدو أمرهما في الدين، والرابعة تشتمل على حرفي المحكم في قوله ) إياك نعبد ) [ الفاتحة : ٥ ] والمتشابه في قوله ) وإياك نستعين ) [ الفاتحة : ٥ ] ولما كانت بناء خطاب محاضرة لم تردد مسألتها في السورةى فانفرد هذان الحرفان عن الدعاء فيهما / وعادتت مسألة الآيةى الخاتمسة على حرف الحمد ومسألة الآية السادسة على آية النعمة من حرفي الحلال والحرام ومسألأة الآية السابعة على آية الملك من حرفي الأمر والنهي فجمعت الفاتحة جوامع الحروف السبعة.
ولما ابتئت الفاتحة أم القرآن بالسابع الجامع الموهوب ابتدئ القرآن بالحرف السادس المعجوز عنه وهو حرف المتشابه، لأنه عن إظهار العجز ومحض الإيمان كانت الهبة والتأييد، وليكون العبد يفتتح القرآن بالإيمان يغيب متشابه في قوله " الم " فيكون أتم انقيادا لما دونه وبريئا عن الدعنوى في مستطاعه في سائر الحروف، ثم ولى السادس المفتتح به القرآن الخامس المحكم كم وجه في قوله سبحانه وتعالى ) ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( لأن من عمل بها من قلبه شعبة إيمان وعلم كانت له من المحكم، ومن عمل بها ائتمارا وإلجاء ولم يدخل الإيمان في قلبه كانت له حرف أمر ) وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ) [ الحجرات : ١٤ ].
وهذا إنما وقع ترتيبه هكذا في القرآن المتلو، وأما تنزيله يفي ترتيب البيان فإن أ، ل ما نزل على النبي ( ﷺ ) هو حرف المحكم وهو قوله سبحانه وتعالى ) اقرأ باسم ربك الي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم ٨ ) [ العلق : ١ - ٥ ] الآياتن الخمس، وأونل ما أنزل إلى الأمة يفي ترتيب البيان هو من حرف الزجر والنهي وهو قوله سبحانه وتعالى ) يا أيها المدثر قم فأنذر ) [ المدثر : ١ - ٢ ] أي ) نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) [ سبأ : ٤٦ ] أعلمهم بما تخاف عاقبته في الآخرة وإن كانوا قد اتخذوا في الدنيا مودة بأوثانهم وقال تعالى ) إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ) [ العنكبوت : ٢٥ ] الآية، فابتدأ سبحانه وتعالى ترتيل الأمة بإصلاح المعاد الأهم لأن عليه يصلح أمر الدنيا، من استقل بآخرته كفاه الله أمر دنياه، وبدأ منها بحرف الزجر والنهي وهو المبدوء به في الحديث ورده النبي ( ﷺ ) لفظ الزجر بلفظ النهي لأن المقصود بهما واحد وهو الردع عما يضر في


الصفحة التالية
Icon