صفحة رقم ٣١
التحرير متعذرا فقسمت خمسة عشر وأربعة عشر، وأخذ الأقل من باب الأنصاف وفرق في تسع وعشرين سورة على عدد الحروف، وتحدي به على هذا الوجه، وأبدى الإمام شمس الدين ابن فقيم الجوزيه الدمشقي الحنبلي يفي كتاب به كالتذكرة سماه " بدائع الفرائد " سرا غريبا في ابتداء القرآن بقوله ) الم ( حاصله أن حروفه الثلاثة جمعت المخارج الثلاثية : الحلق واللسان والشفتان. على ترتيبها وذلك إشارة إلى البداية التي هي بدء الخلق والنهاية التي هي المعاد والوسط الذي هو المعاش من التشريع بالأوامر والنواهي، وفي ذلك تنبيه على أن هذا الكتاب الذي ركب من هذه الحروف التي لا تعدو المخارج الثلاثة التي بها يخاطب جميع الأمم جامع لما يصلحكم من أحوال بدء الخلق وإعادته وما بين ذلك، وكل سورة افتتحت بهذه الحروف ذكرت فيها الأحوال الثلاثة.
وقال الحرالي في تفسيره :" الف " اسم للقائم الأعلى المحيط ثم لكل مستخلف في القيام كآدم والكعبة، " ميم " اسم للظاهر الأعلى الذي من أظهرة ملك يوم الدين، واسم للظاهر الكامل المؤتى جوامع الكلم محمد ( ﷺ ). ثم لكل ظاهر دون ذلك كالسماء والفلك والأرض " لام " اسم لما بين باطن الإلهية التي هي محار العقول التي هي وصل تنزل ما بينهما كاللطيف ونحوه، ثم للوصل الذي كالملائكة وما تتولاه من أمر الملكوت، وهذه الألفاظ عند انعجام معناها تسمى حروفا، والحرف طرف الشيء الذي لا يؤخذ منفردا وطرف القول الذي لا يفهم وحده، وأحق ما تسمى حروفا إذا نظر إلى صورها ووقوعها أجزاء من الكلم ولم تفهم لها دلالة فتضاف إلى مثلها جزء من كلمة مفهومة تسمى عند ذلك حروفا وعند النطق بها هكذا ألف لا ميم فينبغي أن يقال فيها أسماء وإن كانمت غير معلومة الدلالة كحروف ألف باء تاء فإنها كلها أسماء على ما فهمه الخليل وإنها إنما تسمى حروفا عند ما تكون أجزاء كلمة محركة للإبتداء أو مسكنة للوقف والانتهاء.
وأما حقيقتها فهي جوامع أصلها في ذمر أول من كلام الله تعالى فنزلت إلى الكلم العربية وترجمت بها ونظم منها هذا القرآن العربي المبين، فهي في الكنب العلوية الملكوتية المترتبة في الجمع والتفصيل آية وكلم وذات كتاب، فلما نزلت إلى غاية


الصفحة التالية
Icon