صفحة رقم ٣٨٣
النفي للإثم عن القسمين لمن ) اتقى ( من أهلهما فأدار أفعاله على ما يرضي الله.
ولما كان التقدير : فافعلوا ما شئتم من التعجل والتأخر عطف عليه ما علم أنه روحه فقال :( واتقوا الله ) أي الذي له الإحاطة الشاملة.
ولما كان الحج حشراً في الدنيا والانصراف منه يشبه انصراف أهل الموقف بعد الحشر عن الدنيا فريقاً إلى الجنّة وفريقاً إلى السعير ذكرهم بذلك بقوله :( واعلموا أنكم ( جميعاً ) إليه ( لا إلى غيره ) تحشرون ( بعد البعث، والحشر الجمع بكره، وهو واقع على أول خروجهم من الأجداث إلى انتهاء الموقف، فاعلموا لما يكون سبباً في انصرافكم منه إلى دار كرامته لا إلى دار إهانته.
قال الحرالي : وكلية الحج ومناسكه مطابق في الاعتبار لأمر يوم الحشر ومواقفه من خروج الحاج من وطنه متزوداً كخروج الميت من الدنيا متزوداً بزاد العمل، ووصوله إلى الميقات وإهلاله متجرداً كانبعاثه من القبر متعرياً، وتلبيته في حجه كتلبيته في حشره
٧٧ ( ) مهطعين إلى الداع ( ) ٧
[ القمر : ٨٠ ] كذلك اعتباره موطناً إلى غاية الإفاضة والحلول بحرم الله في الآخرة التي هي الجنة، وا لشرب من ماء زمزم التي هي آية نزل الله لأهل الجنة على وجوه من الاعتبارات يطالعها أهل الفهم واليقين، فلأجل ذلك كان أتم ختم لأحكام الحج ذكر الحشر - انتهى.
وهنا تم ما أراد سبحانه وتعالى من بيان قواعد الإسلام الخمس : الإيمان والصلاة والزكاة والصوم والحج، المشار إلى الثلاث الأول منها بقوله تعالى أول السورة :
٧٧ ( ) يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( ) ٧
[ البقرة : ٣ ] وذكر الحج لمزيد الاعتناء به لاحقاً للصوم بعد ذكره سابقاً عليه، ولعل ذلك هو السبب في تقديم الصوم على الحج تارة وتأخيره أخرى في روايات حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيح ( بني الإسلام على خمس ).
ولما كان قد ذكر سبحانه وتعالى الراغب في الدنيا وحدها والراغب في الدارين وكان قد بقي من الأقسام العقلية المعرض عنهما وهو مفقود فلم يذكره والراغب في الآخرة فقط، وكل من الأقسام تارة يكون مسرّاً وتارة يكون معلناً وكان المحذور منها - إنما هو المسر لإرادة الدنيا بإظهاره لإرادة الآخرة وكان هذا هو المنافق بدأ به بعد ذكر التقوى والحشر ليكون مصدوعاً بادئ بدء بذلك الأمر مقصوداً بالتهديد بالحشر وساقه