صفحة رقم ٤٠١
ويختص النية في كل واحد على وجهه وقد كان من أول منزلة آي القتال
٧٧ ( ) أذن للذين يقاتلون ( ) ٧
[ الحج : ٣٩ ] فكان الأول إذناً لمن شأنه المدافعة عن الدين بداعية من نفسه من نحو ما كانت الصلاة قبل الفرض واقعة من الأولين بداعية من حبهم لربهم ورغبتهم إليه في الخلوة به والأنس بمناجاته فالذين كانت صلاتهم حباً كان الخطاب لهم بالقتال إذناً لتلفتهم إليه في بذل أنفسهم لله الذين كان ذلك حباً لهم يطلبون الوفاء به حباً للقاء ربهم بالموت كما أحبوا لقاء ربهم بالصلاة ( حين عقلوا ) وأيقنوا أنه لا راحة لمؤمن إلا في لقاء ربه، فكان من عملهم لقاء ربهم بالصلاة في السلم، وطلب لقائه بالشهادة ( في الحرب )، فلما اتسع أمر الدين ودخلت الأعراب والأتباع الذين لا يحملهم صدق المحبة للقاء الله على البدار للجهاد نزل كتبه كما نزل فرض الصلاة استدراكاً فقال :( كتب عليكم القتال ) أي أيتها الأمة وكان في المعنى راجعاً لهذا الصنف الذين يسألون عن النفقة، وبمعنى ذلك انتظمت الآية بما قبلها فكأنهم يتبلدون في الإنفاق تبلداً إسرائيلياً ويتقاعدون عن الجهاد تقاعد أهل التيه منهم الذين قالوا :
٧٧ ( ) اذهب أنت وربك فقاتلا ( ) ٧
[ المائدة : ٢٤ ] انتهى.
) وهو كره ( وهو ما يخالف غرض النفس وهواها، ولعله لكونه لما كان خيراً عبر باللام في ) لكم ( وهذا باعتبار الأغلب وهو كما قال الحرالي عند المحبين للقاء الله من أحلى ما تناله أنفسهم حتى كان ينازع الرجل منهم في أن يقف فيقسم على الذي يمسكه أن يدعه والشهادة، قال بعض التابعين : لقد أدركنا قوماً كان الموت لهم أشهى من الحياة عندكم اليوم وإنما كان ذلك لما خربوه من دنياهم وعمروه من أخراهم فكانوا يحبون النقلة من الخراب إلى العمارة - انتهى.
ولما كان هذا مكروهاً لما فيه على المال من المؤونة وعلى النفس من المشقة وعلى الروح من الخطر من حيث الطبع شهياً لما فيه من الوعد بإحدى الحسنيين من حيث الشرع أشار غلى ذلك بجملة حالية فقال :( وعسى أن ( وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة براءة من شرح معاني ) عسى ( ما يوضح أن المعنى : وحالكم جدير وخليق لتغطية علم العواقب عنكم بأن ) تكرهوا شيئاً ) أي كالغزو فتعرضوا عنه لظنكم أنه شر لكم ) وهو ) أي والحال أنه ) خير لكم ( لما فيه من الظفر والغنيمة أو الشهادة والجنة فإنكم لا تعلمون والذي كلفكم ذلك عالم بكل شيء غير محتاج إلى شيء وما كلفكم ذلك إلا لنفعكم.
قال الحرالي : فشهد - لهم لما لم يشهدوا مشهد الموقنين الذين يشاهدون غيب الإيمان كما يشهدون عن الحس، كما قال ثعلبة :( كأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة ينعمون وأنظر إلى أهل النار في النار يعذبون ) ولم يبرم لهم الشهادة ولكن ناطها بكلمة ) عسى ( لما علمه من ضعف قبول من خاطبه بذلك، وفي إعلامه