صفحة رقم ٤٠٤
وهو أكبر أي من القتال في الشهر الحرام، والتقييد فيما يأتي بقوله :( عند الله ( يدل على ما فهمته من أن المراد بقوله :( كبير ( في زعمهم وفي الجملة لا أنه من الكبائر.
ولما كان في تقدم الإذن بالقتال في الشهر الحرام وفي المسجد الحرام بشرط كما مضى كان مما يوجب السؤال عن القتال فيه في الجملة بدون ذلك الشرط أو بغيره توقعاً للإطلاق لا سيما والسرية التي كانت سبباً لنزول هذه الآية وهي سرية عبد الله بن جحش كان الكلام فيها كما رواه ابن إسحاق عن الأمرين كليهما فإنه قال : إنهم لقوا الكفار الذين قتلوا منهم وأسروا وأخذوا عيرهم في آخر يوم من رجب فهابوهم فلطفوا لهم حتى سكنوا فتشاوروا في أمرهم وقالوا : لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فترددوا ثم شجعوا أنفسهم ففعلوا ما فعلوا فعيرهم المشركون بذلك فاشتد تعييرهم لهم واشتد قلق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لا سيما أهل السرية من ذلك ولا شك أنهم أخبروا النبي ( ﷺ ) بكل ذلك فإخبارهم له على هذه الصورة كاف في عدة سؤالاتهم فضلاً عن دلالة ما مضى على التشوف إلى السؤال عنه لما كان ذلك قال تعالى :( والمسجد ) أي ويسألونك عن المسجد ) الحرام ) أي الحرم الذي هو للصلاة والعبادة بالخضوع لا لغير ذلك ) قتال فيه قل قتال فيه كبير ( عندكم على نحو ما مضى ثم ابتدأ قائلاً :( وإخراج ( كما ابتدأ قوله :( وصد عن سبيل الله ( وقال :( أهله ) أي المسجد الذي كتبه الله لهم في القدم وهم أولى الناس به ) منه أكبر ) أي من القتال في الشهر الحرام خطأ وبناء على الظن والقتل فيه ) عند الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً فقد حذف من كل جملة ما دل عليه ما ثبت في الأخرى فهو من وادي الاحتباك، وسر ما صنع في هذا الموضع من الاحتباك أنه لما كان القتال في الشهر الحرام قد وقع من المسلمين حين هذا السؤال في سرية عبد الله بن جحش أبرز السؤال عنه والجواب، ولما كان القتال في المسجد الحرام لم يقع بعد وسيقع من المسلمين أيضاً عام الفتح طواه وأضمره، ولما كان الصد عن سبيل الله الذي هو البيت والكفر الواقع بسببه لم يقع وسيقع من الكفار عام الحديبية أخفى خبره وقدّره، ولما كان الإخراج قد وقع منهم ذكر خبره وأظهره ؛ فأظهر سبحانه وتعالى ما أبرزه على يد الحدثان، وأضمر ما أضمره في صدر الزمان، وصرح بما صرح به لسان الواقع، ولوح إلى ما لوح إليه صارم الفتح القاطع - والله الهادي.
والمراد بالمسجد الحرام الحرم كله،


الصفحة التالية
Icon