صفحة رقم ٧٢
وصلاح حالهم نحو مما يحصل بكمال خلقهم وتسويتهم.
والجنات مبتهجات للنفوس تجمع ملاذ جميع حواسها، تُجن المتصرف فيها أي تخفيه وتجن وراء نعيمها مزيداً دائماً - انتهى.
ثم وصفها بأنها ) تجري ( قال الحرالي : من الجري وهو إسراع حركة الشيء ودوامها، ) ومن تحتها ) أي من تحت غرفها، والتحت ما دون المستوى، ) الأنهار ( جمع نهر، وهو المجرى الواسع للماء - انتهى.
فإسناد الجري إليها مجاز، والتعريف لما عهده السامع من الجنس ويحتمل أن يكون المعنى أن أرضها منبع الأنهار، فَتَحتَ كل شجرة وغرفة منبع نهر، فهي لا تزال غضّة يانعة متصلة الزهر والثمر لا كما يجلب إليه الماء وربما انقطع في وقت فاختلّ بعض أمره.
قال الحرالي : وإذا تعرف حال العامل من وصف جزائه علم أن أعمالهم كانت مبنية على الإخلاص الذي هو حظ العاملين من التوليد الذي الماء آيته - انتهى.
فلما كانت الجنان معروفة بالثمار ساق وصفها بذلك مساق ما لا شك فيه بخلاف جري الأنهار فقال :( كلما ( وهي كلمة تفهم تكرر الأمر في عموم الأوقات ) رزقوا منها من ثمرة ( أيّ ثمرة كانت رزقاً ) قالوا ( لكونه على صورة ما في الدنيا ) هذا ) أي الجنس لاستحكام الشبه ) الذي رزقنا من قبل ) أي في الدنيا، ولما كان الرزق معلوماً ولم يتعلق غرض بمعرفة الآتي بالرزق بُنيا للمجهول فقال تعالى عاطفاً على ما تقديره لأنا خلقناه على شكل ما كان ليكونوا به أغبط ولمزيته أعرف وله أقبل وإليه أميل موحداً للضمير إشارة إلى أنه لاستحكام الشبه كأنه واحد ) وأتوا به ) أي جيء لهم بهذا الجنس المرزوق لهم في الدارين في الجنة من غير تطلب وتشوق ) متشابهاً ( في مطلق اللون والجنس ليظن أنه متشابه في الطعم، فيصير فضله في ذلك لاذوق نعمة أخرى والتشابه المراد هنا اشتراك في ظاهر الصورة، والإتيان بأداة التكرار يدل على أن الشبه يزداد عظمة في كل مرة فيزداد العجب وجعل الحرالي هذا خاصاً بثمار الجنة فقال : من قبل إعلام بأن أشخاص ثمر الجنة وآحادها لا تتمايز لأنها على أعلى صورتها لا تتفاوت بأعلى وأدنى ولا يتراخى زمان عودها، فهي تتخلف لآنِ قطفها ولا تتمايز صور المقطوف من الخالف حتى يظن القاطف أن المتخلف عين الأول ؛ فحال ثمر الجنة كحال الماء الذي هو أصله، وبسرعة الخلف من ثمر الجنة وأنه متصل جرية الوجود قال عليه السلام في عنقود من ثمرها :( لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ) ويشعر ذلك