صفحة رقم ٨٣
خلق الأرض وتهيئتها لما يراد منها قبل خلق السماء، ودحوها بعد خلق السماء ؛ على أن ثم للتعظيم لا للترتيب فلا إشكال، وتقديم الأرض هنا لأنها أدل لشدة الملابسة والمباشرة.
وقال الحرالي : أعلى الخطاب بذكر الاستواء إلى السماء الذي هو موضع التخوف لهم لنزول المخوفات منه عليهم فقيل لهم : هذا المحل الذي تخافون منه هو استوى إليه، ومجرى لفظ الاستواء في الرتبة والمكانة أحق بمعناه من موقعه في المكان والشهادة ؛ وبالجملة فالأحق بمجرى الكلِم وقوعها نبأ عن الأول الحق، ثم وقوعها نبأ عما في أمره وملكوته، ثم وقوعها نبأ عما في ملكه وإشهاده ؛ فلذلك حقيقة اللفظ لا تصلح أن تختص بالمحسوسات البادية في الملك دون الحقائق التي من ورائها من عالم الملكوت، وما به ظهر الملك والملكوت من نبأ الله عن نفسه من الاستواء ونحوه في نبأ الله عن نفسه أحق حقيقة، ثم النبأ به عن الروح مثلاً واستوائها على الجسن ثم على الرأس مثلاً واستوائه على الجثة فليس تستحق الظواهر حقائق الألفاظ على بواطنها بل كانت البواطن أحق باستحقاق الألفاظ ؛ وبذلك يندفع كثير من لبس الخطاب على المقتصرين بحقائق الألفاظ على محسوساتهم ) فسوَّاهُنَّ ( التسوية إعطاء أجزاء الشيء حظه لكمال صورة ذلك الشيء ) سبع سماوات ( أعطى لكل واحدة منهن حظها
٧٧ ( ) وأوحى في كل سماء أمرها ( ) ٧
[ فصلت : ١٢ ] انتهى.
وخلق جميع ما فيها لكم، فالآية من الاحتباك ؛ حذف أولاً كون الأراضي سبعاً لدلالة الثاني عليه، وثانياً كون ما في السماء لنا لدلالة الأول عليه ؛ وهو فن عزيز نفيس وقد جمعت فيه كتاباً حسناً ذكرت فيه تعريفه ومأخذه من اللغة وما حضرني من أمثلته من الكتاب العزيز وكلام الفقهاء وسميته ( الإدراك لفن الاحتباك ).
ولما كان الخلق على هذه الكيفية دالاً بالبديهة على أتم قدرة لصانعه وكان العلم بأن مبنى ذلك على العلم محتاجاً إلى تأمل اغتنى في مقطع الآية بقوله :( وهو بكل شيء عليم ) أي فهو على كل شيء قدير.
ولما ذكر الحياة والموت المشاهدين تنبيهاً على القدرة على ما اتبعهما به من البعث ثم دل على ذلك أيضاً بخلق هذا الكون كله على هذا النظام البديع وختم ذلك بصفة العلم ذكر ابتداء خلق هذا النوع البشري المودع من صفة العلم ما ظهر به فضله بقوله تعالى عطفاً على قوله :( اعبدوا ربكم ( وبياناً لقوله :
٧٧ ( ) رب العالمين ( ) ٧
[ الفاتحة : ٢ ] إذ من البدءة تعلم العودة لمن تدبر، أو يكن عطفاً على ما تقديره : اذكر هذا لهم، وذلك أنه سبحانه لما خاطبهم بهذا الاستفهام الذي من