صفحة رقم ١١١
تبكيتاً آخر فقال منبهاً لهم مكرراً النبيه إشارة إلى طول رقادهم أو شدة عنادهم :( هاأنتم هؤلاء ) أي الأشخاص الحمقى، ثم بين ذلك بقوله :( حاججتم ) أي قصدتم مغالبة من يقصد الرد عليكم ) فيما لكم به علم ) أي نوع من العلم من أمر موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام لذكر كل منهما في كتابكم وإن كان جدالكم فيهما على خلاف ما تعلمون من أ ؛ والهما عناداً أو طغياناً ) فلم تحاجون ) أي تغالبون بما تزعمون أنه حجة، وهو لا يستحق أن يسمى شبهة فضلاً عن أن يكون حجة ) فيما ليس لكم به علم ( اصلاً، لكونه لا ذكر له في كتابكم بما حاججتم فيه مع مخالفته لصريح العقل ) والله ) أي المحيط بكل شيء ) يعلم ) أي وأنتم تعلمون أن مجادلتكم في الحقيقة إنما هي مع الله سبحانه وتعالى، وتعلمون أن علمه محيط بجميع ما جادلتم فيه ) وأنتم ) أي وتعلمون أنكم أنتم ) لا تعلمون ) أي ليس لكم علم أصلاً إلا ما علمكم الله سبحانه وتعالى، هذا على تقدير كون ( ها ) في ( ها أنتم ) للتنبيه، ونقل شيخنا ابن الجزري في كتابه ( النشر في القراءات العشر ) عن أبي عمرو بن العلاء وعن أبي الحسن الأخفش أنها بدل من همزة، وروي عن أبي حمدون عن اليزيدي أن أبا عمرو قال : وإنما هي ) أأنتم ( ممدودة، فجعلوا الهمزة هاء، والعرب تفعل هذا، فعلى هذا التقيدر يكون استفهاماً معناه التعجيب منهم والتوبيخ لهم.
ولما وبخهم على ذلك من جهلهم نفيى سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما ادعاه عليه كل منهم طبق ما برهنت عليه الآية الأولى، ونفى عنه كل شرك أيضاً، وأثبت أنه كان مائلاً عن كل باطل منقاداً مع الدليل إلى كل حق بقوله سبحانه وتعالى :( ما كان إبراهيم يهودياً ) أي كما ادعى اليهود ) ولا نصرانياً ( كما ادعى النصارى - لما تقدم من الدليل ) ولكن كان حنيفاً مسلماً ( وقد بين معنى الحنيف عند قوله تعالى :
٧٧ ( ) قل بل ملة إبراهيم حنيفاً ( ) ٧
[ البقرة : ١٣٥ ] بما يصدق على المسلم، وقال الإمام العارف ولي الدين الملوي في كتابه حصن النفوس في السؤال في القبر : واليهودي أصله من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام التوراة، والنصراني من آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام الإنجيل، ثم صار اليهودي من كفر بما أنزل بعد موسى عليه الصلاة والسلام، والنصراني من كفر بما أنزل بعد عيسى عليه الصلاة والسلام، والحنيف المائل عن كل دين باطل، والمسلم المطيع لأوامر الله سبحانه وتعالى في أي كتاب أنزلت مع أي رسول أوردت، وإن شيئت قلت : هو المنقاد لله سبحانه وتعالى وحده بقلبه ولسانه وجميع جوارحه المخلص عمله لله عزّ وجلّ، قال


الصفحة التالية
Icon