صفحة رقم ١١٤
بالعظمة وجميع صفات الكمال، أي لا تقدرون على إضلال أحد منا عنه، ولا نقدر على إرشاد أحد منكم إليه إلا بإذنه، ثم وصل به تقريعهم فقال :( أن ( بإثبات همزة الإنكار في قراءة ابن كثير، وتقديرها في قراءة غيره، أي أفعلتم الإيمان على الصورة المذكورة خشية أن ) يؤتى أحد ) أي من طوائف الناس ) مثل ما أوتيتم ) أي من العلم والهدى الذي كنتم عليه أول الأمر ) أو ( كراهة أن ) بحاجوكم ) أي يحاجكم أولئك الذين أوتوا مثل ما أوتيتم ) عند ربكم ( الذي طال إحسانه إليكم بالشهادة عليكم أنهم آمنوا وكفرتم بعد البيان الواضح فيفضحوكم.
ولما كانت هذه الآية شبيهة بآية البقرة
٧٧ ( ) ما يود الذين كفروا من أهل اكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ( ) ٧
[ البقرة : ١٠٥ ] في الحسد على ما أوتي غيرهم من الدين الحق وكالشارحة لها ببيان ما يلبيسونه لقصد الإضلال ختمت بما ختمت به تلك، لكن لما قصد بها الرد عليهم في كلا هذين الأمرين اللذين دبروا هذا المكر لأجلهما زيدت ما له مدخل في ذلك فقال تعالى مجيباً لمن تشوف إلى تعليم ما لعله يكف من مكرهم ويؤمن من شرهم معرضاً عنهم بالخطاب بعد الإقبال عليهم به إيذاناً بشديد الغضب :( قل إن الفضل ( في التشريف بإنزال الآيات وغيرها ) بيد الله ( المختص بأنه لا كفوء له، فله الأمر كله ولا أمر لأحد معه، وأتبعه نتيجة فقال :( يؤتيه من يشاء ( فله مع كمال القدرة كمال الاجتباء، ثم قال مرغباً مرهباً وراداً عليهم في الأمر الثاني :( والله ( الذي له من العظمة وسائر صفات الكمال ما لا تحيط به العقول ولا تبلغه الأوهام ) واسع عليم ) أي يوسع على من علم فيه خيراً، ويهلك من علم أنه لا يصلح لخير، ويعلم دقيق أمركم وجليله، فلا يحتاج سبحانه وتعالى إلى تنبيه أحد بمجاجتكم عليه عنده.
ولما كان هذا من الوضوح بحيث لا يحااج إلى تأكيد انتقل عنه إلى تأكيد الرد عليهم في الأمر الأول بثمرة هذه الجملة ونتيجتها من أنه فاعل بالاختيار تام الاقتدار فقال :( يختص برحمته من يشاء ( ثم أكد تعظيم ما لديه دفعاً لتوهم من يظن أن اختصاص البعض لضيق الرحمة عن العموم فقال :( والله ( الذي كل شيء دونه فلا ينقص ما عنده ) ذو الفضل العظيم ( وكرر الاسم الأعظم هنا تعظيماً لما ذكر من النعم مشيراً بذلك كله إلى التمكن من الإعطاء باختباره وغزارة فضله وإلى القدرة على الإنجاء من حبائل المكر بسعة علمه.
فلما تقرر أن الأمر كله له ذكر دليل ذلك فيهم بأنه فضل فريقاً منهم فأعلاه، ورذل فريقاً منهم فأرداه، فلم يردهم الكتاب - وهم يتلونه - إلى الصواب، فقال عاطفاً على ما


الصفحة التالية
Icon