صفحة رقم ١٢٢
ولما كان الحائد عن الدليل بعد البيان لا يرجى في الغالب عوده كان الاستبعاد بكيف موضحاً لأن التقدير لأجل التصريح بالمراد : أولئك لا يهديهم الله لظلمهم بوضعهم ثمرة الجهل بنقض عهد الله سبحانه وتعالى المؤكد بواسطة رسله موضع ثمرة العلم، فعطف على هذا المقدر المعلوم تقديره قوله :( والله ) أي الذي له الكمال كله ) لا يهدي القوم الظالمين ) أي الغريقين في الظلم لكونه جبلهم على ذلك، تحذيراً من مطلق الظلم، ولما علمت بشاعة خيانتهم تشوف السامع إلى معرفة جزائهم فقال :( أولئك ) أي البعداء البغضاء ) جزاؤهم أن عليهم لعنة الله ) أي الملك الأعظم، وهي غضبه وطرده ) والملائكة والناس أجمعين ( حتى أنهم هم ليلعنون أنفسهم، فإن الكافر يطبع على قلبه فيظن أنه على هدى ويصير يلعن الكافر ظاناً أنه ليس بكافر، وهذا اللعن واقع عليهم حال تلبسهم بالفعل لوضعهم الشيء في غير محله، فصار كل من له علم يبعدهم لسوء صنيعهم لتبديلهم الحسن بالسيء، حذراً من فعل مثل ذلك معه ) خالدين فيها ) أي اللعنة دائماً.
ولما كان المقيم في الشدة قد تنقص شدته على طول نفي ذلك بقوله :( لا يخفف عنهم العذاب ( مفيداً ان عليهم مع مطلق الشدة بالطرد شدائد أخرى بالعقوبة.
ولما كان المعذب على شيء ربما استمهل وقتاً ما ليرجع عن ذلك الشيء أو ليعتذر نفى ذلك بقوله :( ولا هم ينظرون ( ي يؤخرون للعلم بحالهم باطناً وظاهراً حالاً ومآلاً، ولإقامة الحجة عليهم من جميع الوجوه، لم يترك شيء نمها لأن المقيم لها منزه عن العجز والنسيان.
ولما انخلعت القلوب بهذه الكروب نفّس عنها سبحانه وتعالى مشيراً إلى أن فيهم - وإن استبعد رجوعهم - موضعاً للرجاء بقوله :( إلا الذين تابوا ) أي رجعوا إلى ربهم متذكرين لإحسانه، ولما كان التائب لم يستغرق زمان ما بعد الإيمان بالكفر، وكانت التوبة مقبولة ولو قل زمنها أثبت الجار فقال :( من بعد ذلك ( الارتدار حيث تقبل التوبة ) وأصلحوا ) أي بالاستمرار على ما تقضيه من الثمرات الحسنة ) فإن الله ) أي الذي له الجلال والإكرام يغفر ذنوبهم لأن الله ) غفور ( يمحو الزلات ) رحيم ( بإعطاء المثوبات، هذه صفة لهم ولكل من تاب من ذنبه.
ولما رغب في التوبة رهب من التواني عنها فقال :( إن الذين كفروا ) أي بالله وأوامره، وأسقط الجار لما مضى من قوله ) من بعد إيمانهم ( بذلك.
ولما كان الكفر لفظاعته وقبحه وشناعته جديراً بالنفرة عنه والبعد منه نبه سبحانه وتعالى على ذلك باستبعاد إيقاعه، فكيف بالتمادي عليه فكيف بالازدياد منه وعبر عن ذلك بأداة التراخي