صفحة رقم ١٤٢
أحوالكم ) الأنامل من الغيظ ) أي المفرط منكم، ومن جعل الهاء في ) هأنتم ( بدلاً عن همزة الاستفهام فالمراد عنهد : أأنتم يا هؤلاء القرباء مني تحبونهم والحال أنهم على ما هم عليه من منابذتكم وأنتم على ما أنتم عليه من الفطنة بصفاء الأفكار وعليّ الآراء بقبولكم الحق كله، لأن المؤمن كيس فطن ؛ فهو استفهام - وإن كان من وادي التوبيخ - المراد به التنبيه والتهييج المنقل من سافل الدركات إلى عالي الدرجات - والله الموفق.
ولما كانوا كأنهم قالوا : فما نفعل ؟ قال مخاطباً للرأس المسموع الأمر المجاب الدعاء :( قل ) أي لهم ) موتوا بغيظكم ) أي ازدراء بهم ودعاء عليهم بدوام الغيظ من القهر وزيادته حتى يميتهم.
ولما كانوا يحلفون على نفي هذا ليرضوهم قال تعالى مؤكداً لما أخبر به لئلا يظن أنه أريد به غير الحقيقة :( إن الله ) أي الجامع لصفات الكامل ) عليم بذات الصدور ) أي فلا تظنوا أنه أراد بعض ما يتجوز بالغيظ عنه.
آل عمران :( ١٢٠ - ١٢٢ ) إن تمسسكم حسنة.....
) إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( ( )
ولما كان ما أخبرت به هذه الجمل من بغضهم وشدة عداوتهم محتاجاً ليصل إلى المشاهدة إلى بيان دل عليه بقوله :( إن تمسسكم ) أي مجرد مس ) حسنة تسؤهم ( ولما كان هذا دليلاً شهودياً ولكنه ليس صريحاً أتبعه الصريح بقوله :( وإن تصبكم ) أي بقوة مرها وشدة وقعها وضرها ) سيئة يفرحوا بها ( ولما كان هذا أمراً مبكتاً غائظاً مؤلماً داواهم بالإشارة إلى النصر مشروطاً بشرط التقوى والصبر فقال :( وإن تصبروا وتتقوا ) أي تكونوا من أهل الصبر والتقوى ) لا يضركم كيدهم شيئاً ( ثم علل ذلك بقوله :( إن الله ) أي ذال الجلال والإكرام ) بما يعملون محيط ) أي فهو يعد لكل كيد ما يبطله، والمعنى على قراءة الخطاب : بعملكم كله، فمن صبر واتقى ظفرته، ومن عمل على غير ذلك انتقمت منه.
ولما كان ما تضمنته هذه الآية من الإخبار ومن الوعد ومن الوعيد منطوقاً ومفهوماً محتاجاً إلى الاجتلاء في صور الجزئيات ذكرهم سبحانه وتعالى بالوقائع التي شوهدت فيها أحوالهم من النصر عند العمل بمنطوق الوعد من الصبر والتقوى وعدمه عند العمل بالمفهوم، وشوهدت فيها أحوال عدوهم من المساءة عند السرور والسرور عد المساءة، وذلك غني عن دليل لكونه من المشاهدات، مشيراً إلى ذلك بواو العطف على غير


الصفحة التالية
Icon