صفحة رقم ١٤٣
مذكوراً، مخاطباً لأعظم عباده فطنه وأقربهم إليه رتبة، تهييجاً لغيره إلى تدقيق النظر واتباع الدليل من غير أدنى وقوف مع المألوف فقال تعالى :( وإذ ) أي اذكر ما يصدق ذلك من أحوالكم الماضية حين صبرتم واتقيتم فنصرتم، وحين ساءهم نصركم في كل ذلك في سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة، ثم في بدر، ثم في غزوة بني قينقاع ونحو ذلك، واذكر إذ لم يصبر أصحابك فأصيبوا، وإذ سرتهم مصيبتكم في وقعة أحد إذ ) غدوت ) أي يا خاتم الأنبياء وأكرم المرسلين ) من أهلك ) أي بالمدينة الشريفة صبيحة يوم الجمعة إلى أصحابك في مسجدك لتستشيرهم في أمر المشركين.
وقد نزلوا بأحد في أواخر يوم الأربعاء، أو في يوم الخميس لقتالكم.
وبنى من ) غدوت ( حالاً إعلاماً بأن الشروع في السبت شروع في مسببه فقال :( تبوىء ) أي تنزل ) المؤمنين ( بالثبات في مركزه، وأوعز إليه في أن لا يفعل شيئاً إلا بأمره لا سيما الرماة، ثم ذكر علة ذلك فقال :( للقتال ( ولما كان التقدير : وتتقدم إليهم بأبلغ مقال في تشديد الأقوال والأفعال، اشار تعالى إلى أنه وقع في غضون ذلك منه ومنهم كلام كثير خفي وجلي بقوله :( والله ) أي والحال أن الملك الأعظم الذي أنتم في طاعته ) سميع ) أي لأقوالكم ) عليم ) أي بنياتكم في ذلك وغيره فاحذروه، ولعله خص النبي ( ﷺ ) بلذيذ الخطاب في التذكير تحريضاً لهم مع ما تقدمت الإشارة إليه على المراقبة تعريضاً لهم بأنهم خفوا مع الذين ذكرهم أمر بعاث حتى تواثبوا حين تغاضبوا إلى السلاح - كما ذكر في سبب نزول قوله تعالى :
٧٧ ( ) ياآيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب ( ) ٧
[ آل عمران : ١٠٠ ]، فوقفوا عن نافذ الفهم وصافي الفكر خفة إلى ما أراد بهم عدوهم فاقتضى هذا التحذير كله، ويؤيد ذلك إقباله في الخطاب عليهم عند نسبة الفشل إليها - كما يأتي قريباً، ولعله إنما خص هذه الغزوة بالذكر دون ما ذكرت أن واو عطفها دلت عليه مما أيديوا فيه بالنصر لأن الشماتة بالمصيبة أدل على البغضاء والعداوة من الحزن بما يسر، ودل ذكرها على المحذوف لأن المدعي فيما قبلها شيئان : المساءة بالحسنة، والفرح والمسرة بالمصيبة، فإذا برهن المتكلم على الثاني عليم ولا بد أنه حذف برهان الأول، وأنه إنما حذفه - وهو حكيم - لنكتة، وهي هنا عدم الاحتياج إلى ذكره لوضوحه بدلالة السياق مع واو العطف عليه، وما تقدم من كونه غير صريح الدلالة في أمر البغض على أنه تعالى قد ذكر بدراً - كما ترى - بعد محكمة ستذكر، وأطلق سبحانه وتعالى - كما عن الطبري وغيره - التبوء على ابتداء القتال بالاستشارة فإن الكفار لما نزلوا يوم الأربعاء ثاني عشر