صفحة رقم ١٥٢
ولما كانت الأقسام كلها راجعة إلى قسمين : عافية وعذاب، قال - مترجماً لذلك مقرراً لقوله :
٧٧ ( ) ليس لك من الأمر شيء ( ) ٧
[ آل عمران : ١٢٨ ] :( يغفر لمن يشاء ) أي منهم ومن غيرهم فيعطيه ما يشاء من خيري النيا والآخرة ويغنيه عن الربا وغيره ) ويعذب من يشاء ( بالمنع عما يريد من خيري الدارين، لا اعتراض عليه، فلو عذب الطائع ونعّم العاصي لحسن منه ذلك، ولا يقبح منه شيء، ولا اعتراض بوجه عليه، هذا مدلول الآية وهو لا يقتضي أنه يفعل أو لا يفعل.
ولما كان ( ﷺ ) لشدة غيظه عليهم في الله جديراً بالانتقام منهم بدعاء أو غيره أشار له سبحانه إلى العفو للحث على التخلق بأخلاق الله الذي سبقت رحمته غضبه بقوله :( والله ) أي المختص بالجلال والإكرام ) غفور رحيم ) أي محاء للذنوب عيناً وأثراً، مكرم بعد ذلك بأنواع الإكرام، فانطبق ذلك على إيضاح
٧٧ ( ) ليس لك ( ) ٧
[ آل عمران : ١٢٨ ] وإفهامه الموجب لاعتقاد أن يكون له سبحانه وتعالى الأمر وحده.
ولما أنزل عليه ذلك وما في آخر النحل مما للصابرين والعافين حرم المثلة واشتد نهيه ( ﷺ ) عنها، فكان لا يخطب خطبة إلا منع منها.
ولما كان الختم بهاتين الصفتين ربما أطمع في انتهاك الحرمات لاتباع الشهوات فكان مبعداً لمتعاطيه من الرحمة مدنياً من النقمة، وكان أعظم المقتضيات للخذلان تضييعهم للثغر الذي أمرهم النبي ( ﷺ ) بحفظه بسبب إقبالهم قبل إتمام هزيمة العدو على الغنائم للزيادة في الأعراض الدنيوية التي هي معنى الربا في اللغة إذ هو مطلق الزيادة أقبل تعالى عليهم بقوله :( ياأيها الذين آمنوا ) أي اقروا بافيمان، صدقوا إيمانكم بأن ) لا تأكلوا الربا ) أي المقبح فيما تقدم أمره غاية التقبيح، وهو كما ترى إقبال متلطف منادٍ لهم باسم الإيمان الناظر إلى الإنفاق المعرض عن التحصيل
٧٧ ( ) ومما رزقناهم ينفقون ( ) ٧
[ البقرة : ٣ ] ؛
٧٧ ( ) والمنفقين والستغفرين بالأسحار ( ) ٧
[ آل عمران : ١٧ ] ؛
٧٧ ( ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( ) ٧
[ آل عمران : ٩٢ ] ناهٍ عن الالتفات إلى الدنيا بالإقبال على غنيمة أو غيرها بطريق افشارة بدلالة التضمن، إذ المطلق جزء المقيد، ففي هذه العبارة التي صريحها ناهٍ عن الإقبال على الدنيا إقبالاً يوجب الإعراض عن الآخرة باستباحة أكل الربا المتقدم في البقرة من النهي عنه من المبالغة ما يردع من له أدنى تقوى، ويوجب لمن لم يتركه وما يقاربه الضمان بالخذلان في كل زمان
٧٧ ( ) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ( ) ٧
[ البقرة : ٢٧٨ ]،
٧٧ ( ) أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ( ) ٧
[ البقرة : ٨٦ ] ولما كان في تركه الإثخان في العدو بعد زوال المانع منه بالهزيمة مع أن فيه من