صفحة رقم ١٥٨
ولما أخبر أنها للمحسنين إلى الغير ومن قاربهم أخبر أناه لمن دونهم في الرتبة من التائبين المحسنين إلى أنفسهم استجلاباً لمن رجع عن أحد من المنافقين ولغيرهم من العاصين فقال :( والذين إذا فعلوا ) أي باشروا عن علم أوجهل فعله ) فاحشة ) أي من السيئات الكبار ) أو ظلموا أنفسهم ) أي بأي نوع كان من الذنوب، لتصير الفاحشة موعوداً بغفرانها بالخصوص وبالعموم ) ذكروا الله ) أي بما له من كمال العظمة فاستحيوه وخافوه ) فاستغفروا ( الله، أي فطلبوا المغفرة بالتوبة بشرطها ) لذنوبهم ) أي فإنه يغفر لهم لأنه غفار لمن تاب.
ولما كان هذا مفهماً لأنه تعالى يغفر كل ذنب أتبعه تحقيق ذلك ونفي القدرة عليه عن غيره، لأن المخلوق لا يمضى غفرانه لذنب إلا إذا كان مما شرع الله غفرانه، فكان لا غافر في الحقيقة إلا الله قال مرغباً في الإقبال عليه بالاعتراض بين المتعاطفين :( ومن يغفر الذنوب ) أي يمحو آثارها حتى لا تذكر ولا يجازى عليها ) إلا الله ) أي الملك الأعلى.
ولما كان سبحانه وتعالى قد تفضل برفع القلم عن الغافل قال :( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) أي إنهم على ذنب.
ولما أتم وصف السابقين وهم المتقون واللحقين وهم التائبون قال - معلماً بجزائهم الذين سارعوا إليه من المغفرة والجنة مشيراً إليهم بأداة البعد تعظيماً لشأنهم على وجه معلم بأن أحدأً لا يقدر الله حق قدره - :( أولئك ) أي العالو الرتبة ) جزآؤهم مغفرة ) أي لتقصيرهم أو لهفواتهم أو لذنوبهم، وعظمها بقوله :( ن ربهم ) أي المسحن غليهم بكل إحسان، وأتبع ذلك للإكرام فقال :( وجنات ( أيّ جنات، ثم بين عظمها بقوله :( تجري من تحتها الأنهار ( حال كونكم ) خالدين فيها ( هي أجرهم على عملهم ) ونعم أجر العالمين ( هي، هذا على تقدير أن تكون الإشارة لجميع الموصوفين، وإن كانت للمستغفرين خاصة فالأمر واضح في نزول رتبتهم عمن قبلهم.
ولما فرغ من بيان الزلل الذي وقع لهم به الخلل، والترهيب مما يوقع فيه، والترغيب فيما ينجى منه في تلك الأساليب التي هي أحلى من رائق الزلال ولذيذ الوصال بعد طول المطال أخذ يشجعهم على الجهاد لذوي الفساد، فبدأ بالسبب الأقوى، وهو الأمر بمشاهدة مصارع من مضى من المكذبين برؤية ديارهم وتتبع آثارهم مع أنهم كانوا أشد خلقاً وأقوى همماً وأكثر عدداً وأحكم عدداً، فقال تعالى معللاً لأمر بالمسارعة إلى المغفرة :( قد خلت ( ولما كان العلم بالقريب في الزمان والمكان أتم، وكان الذين وقعت فيهم السنن جميع أهل الأرض، ولا في جميع الزمان، أثبت الجار فقال :( من قبلكم ( اي فلا تظنوا بما أملى لهم بهذه الإدالة أن نعمته انقطعت عنهم


الصفحة التالية
Icon