صفحة رقم ١٦٢
الرفع إلى السماء، ولما كان المراد أن الخلو منهم إنما كان في بعض الزمان الماضي لما مضى أثبت الجار فقال :( من قبله الرسل ) أي فيسلك سبيلهم، فاسلكوا أنتم سبيل من نصح نفسه من أتباعهم فاستمسك بنورهم.
ولما سبب عن ذلك إنكار انهزامهم ودعتهم على تقدير فقده أنكر عليهم بقوله :( أفأن ( ولما كان الملك القادر على ما يريد لا يقول شيئاً وإن كان فرضاً إلا فعله ولو على أقل وجوهه، وكان في علمه سبحانه أنه ( ﷺ ) يموت موتاً - لكونه على فراشه، وقتلاً - لكونه بالسم، قال :( مات ) أي موتاً على الفراش ) أو قتل ) أي قتلاً ) انقلبتم ) أي عن الحال التي فارقكم عليها فأضعتم مشاعر الدين وتركتم مشاريع المرسلين ثم قرر المعنى بقوله :( على أعقابكم ( لئلا يظن أن المراد مطلق الانتقال وإن كان على الاستواء والانتقال إلى أحسن ) ومن ) أي انتقلتم والحال أنه من ) ينقلب على عقبيه ) أي بترك ما شرعه له نبيه أو التقصير فيه ) فلن يضر الله ) أي المحيط بجميع العظمة ) شيئاً ( لأنه متعالٍ عن ذلك بأن الخلق كلهم طوع أمر، لا يتحركون حركة إلا على وفق مراده، فلو أراد لهداهم أجمعين، ولو أراد أضلهم أجمعين، وإنما يضر ذلك المنقلب نفسه لكفره بالله، وسيجزي الله الشاكرين، ومن سار ثابتاً على المنهج السوي فإنما ينفع نفسه لشكره لله ) وسيجزي الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال ) الشاكرين ) أي كلهم، فالآية من الاحتباك : أثبت الانقلاب وعدم الضر أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً، والجزاء ثانياً دليلاً على حذف مثله أولاً.
ولما كان موت الرأس من أنصار الدين لا يصلح أن يكون سبباً للفرار إلا إذا كان موته بغير إذن صاحب الدين، وكان الفرار لا يصلح إلا أذا كان يمكن أن يكون سبباً للنجاة، وأما إذا كان موته لا يكون إلا بإرادة رب الدين، والفرار لا يكون سبباً في زيادة الأجل ولا نقصه ؛ أشار إلى ذلك بقوله :( وما كان لنفس ) أي من الأنفس كائنة من له الإحاطة التامة وإرادته وتمكينه من قبضها ( كتب لكل نفس عمرها ) ) كتاباً مؤجلاً ) أي أجلاً لا يتقدم عنه بثبات، ولا يتأخر عنه بفرار اصلاً.
ولما كان المعنى : فمن أقدم شكرته ولم يضره الإقدام، ومن أحجم ذممته ولم ينفعه الإحجام، وكان الحامل على الإقدام إيثار ما عند الله، والحامل على الإحجام أيثار الدنيا ؛ عطف على ذلك قوله :( ومن يرد ثواب الدنيا ) أي بعمله - كما افهمه التعبير بالثواب، وهم المقبلون على الغنائم بالنهب والفارون كفراً لنعمة الله ) نؤته منها ) أي ما راد، وختام الآية يدل على أن التقدير هنا : وسنردي الكافرين، ولكنه طواه رفقاً لهم