صفحة رقم ١٦٣
) ومن يرد ثواب الآخرة ) أي وهم الثابتون شكراً على إحسانه إليهم من غير أن يشغلهم شاغل عن الجهاد، ولما كان قصد الجزاء غير قادح في الإخلاص منه من الله تعالى علينا قال :( نؤته ( ونبه على أن العمل لذات الله من غير نظر إلى ثواب ولا عقاب أعلى فقال :( منها ) أي وسنجزيه لشكره، وهو معنى قوله :( وسنجزي الشاكرين ( لكنه أظهر لتعليق الحكم بالوصف وعمم.
ولما ذكر سبحانه وتعالى هذه الجمل على هذا الوجه الذي بين فيه العلل، وأوضح بحال الزلل، وكان التقدير بعد انقضائها : فكأين من قوم أمرناهم بالجهاد، فكانوا على هذين القسمين، فأثبنا الطائع وعذينا العاصي، ولم يضرنا ذلك شيئاً، ولا جرى شيء منه على غير مرادنا، عطف عليه يؤسيهم بطريق الصالحين من قبلهم ويسيلهم بأحوالهم قوله :( وكأين ( وهي بمعنى كم، وفيها لغات كثيرة، قرىء منها في العشر بثنتين : الجمهور بفتح الهمزة بعد الكاف وتشديد الياء المكسورة، وابن كثير وأبو جعفر بألف ممدودة بعد الكاف وهمزة مكسورة، ولعلها أبلغ - لأنه عوض عن الحرف المحذوف - من المشهورة بالمد، والمد أوقع في النفس وأوقر في القلب ؛ وفيها كلام كثير - في لغاتها ومعناها وقراءاتها المتواترة والشاذة وصلاً ووقفاً، ورسمها في مصحف الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي وقع إجماع الصحابة عليه ليكون المرجع عند الاختلاف إليه، وهل هي بسيطة أو مركبة ومشتقة أو جامدة وفي كيفية التصرف في لغاتها - استوعبته في كتابي الجامع المبين لما قيل في ) كأين (، وقال سبحانه :( من نبي ( لتكون التسلية أعظم بذكر ما هو طبق ما وقع في هذه الغزوة من قتل أصحابه، واحتمال العبارة لقتله نفسه بقوله :( قتل ) أي ذلك النبي حال كونه ) معه ( لكن الأرجح إسناد ) قتل ( إلى ) ربيون ) أي علماؤهم ورثة الأنبياء، وعلى منهاجهم ) كثير فما ( عمرو - : قاتل معه ) ربيون ( أ يعلماؤهم ورثة الأنبياء، وعلى منهاجهم ) كثير فما ) أي فما تسبب عن قتل نبيهم وهنهم، أو يكون المعنى ويؤيده الوصف بالكثرة - : قتل الربيون، فما تسبب عن قتلهم أن الباقين بعدهم ) وهنوا ) أي ضعفوا عن عملهم ) لما أصابهم في سبيل الله ) أي الملك الأعظم من القتل لنبيهم الذي هو عمادهم، أو إخوانهم الذين هم أعضادهم لكونه من الله ) وما ضعفوا ) أي مطلقاً في العمل ولا في غيره ) وما استكانوا ) أي وما خضعوا لأعداهئم فطلبوا أن يكونوا تحت أيديهم - تعريضاً بمن قال : اذهبَوا إلى أبي عامر الراهب ليأخذ لنا أماناً من أبي سفيان، بل صبروا، فأحبهم الله لصبرهم ) والله ) أي الذي له صفات الكمال ) يحب الصابرين ) أي فليفعلن بهم من النصر وإعلاء القدر وجميع أنواع الإكرام فعل من يحبه.