صفحة رقم ١٦٤
ولما أثنى سبحانه وتعالى على فعلهم أتبعه قولهم فقال :( وما كان ) أي شيء من القول ) قولهم ) أي بسبب ذلك الأمر الذي دهمهم ) إلا أن قالوا ) أي وهم يجتهدون في نصر دين الله ناسبين الخذلان إلى أنفسهم بتعاطي أسبابه ) ربنا اغفر لنا ذنوبنا ) أي التي استوجبنا بها الخذلان ) وإسراقنا في أمرنا ( هضماً لأنفسهم، فمع كونهم ربانيين مجتهدين نسبوا ما أصابهم إلى ذنوبهم، فافعلو أنتم فعلهم لتنالوا من الكرامة ما نالوا، كما أشار لكم سبحانه وتعالى إلى ذلك قبل الأخذ في قص القصة عندما وصف به المتقين من قوله :( ) أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ( ) [ آل عمران : ١٣٥ ].
ولما دعوا بمحو ما أوجب الخذلان دعوا بثمرة المحو فقالوا :( وثبت أقدامنا ( إشارة إلى أن الرعب من نتائج الذنب، والثبات من ثمرات الطاعة - إنما تقاتلون الناس بأعمالكم - ثم أشاروا إلى أن قتالهم لهم إنما هو لله، لا لحظ من حظوظ النفس أصلاً بقوله :( وانصرنا على القوم الكافرين (
آل عمران :( ١٤٨ - ١٥٢ ) فآتاهم الله ثواب.....
) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ( ( )
فلما تم الثناء على فعلهم وقولهم ذكر ما سببه لهم ذلك من الجزاء فقال ) فأتاهم الله ( المحيط علماً وقدرةً ) ثواب الدنيا ) أي بأن قبل دعاءهم بالصنر والغنى بالغنائم وغيرها وحسن الذكر وانشراح الصدر وزوالها شبهات الشر.
ولما كان ثواب الدنيا كيف ما كان لا بد أن يكون بالكدر مشوباً وبالبلاء مصحوباً، لأنها دار الأكدار ؛ أعراه من وصف الحسن، وخص الآخرة به فقال :( وجسن ثواب الآخرة ) أي مجازاً بتوفيقهم إلى الأسباب في الدنيا، وحقيقة في الآخرة، فإنه أحسنوا في هذا الفعلا والمقال، لكونهم لم يطلبوا بعبادتهم غير وجه الله، فأحبهم لإحسانهم ) والله ( المحيط بصفات الكمال ) يحب المحسنين ( كلهم، فهو جدير بأن يفعل بهم