صفحة رقم ١٦٨
قريب ولا بعيد ) والرسول ) أي الذي أرسل إليكم لتجيبوه إلى كل ما يدعوكم إليه وهو الكامل في الرسلية ) يدعوكم في أخراكم ) أي ساقتكم وجماعتكم الأخرى، وأنتم مدبرون وهو ثابت في مكانه في نحر العدو في نفر يسير لا يبلغون أربعين نفساً على اختلاف الروايات - وثوقاً بما عنده وعد من دونه من ولي وعدو عدماً ؛ وإنما قلت : إن ( إليّ عباد الله أنا رسول الله إليّ عباد الله ) كما هو الائق بمنصبه الشريف من الاعتماد على الله والوثوق بما عنده وعد من دونه من ولي وعدو وعدماً ؛ وإنما قلت : إن معنى ذلك الانهزام، لأن الدعاء يراد منه الإقبال على الداعي بعد الانصراف عما يريده ليأمر وينهى، فعلم بذلك أنهم مولون عن المقصود وهو القتال، وفي التفسير من البخاري عن البراء رضي الله تعالى عنه قال : جعل النبي ( ﷺ ) على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير رضي الله تعالى عنه وأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم، ولم يبق مع النبي ( ﷺ ) غير اثني عشر رجلاً.
ولما تسبب عن العفو ردهم عن الهزيمة إلى القتال قال تعالى :( فأثابكم ) أي جعل لكم ربكم ثواباً ) غماً ) أي باعتقادكم قتل الرسول ( ﷺ ).
وكان اعتقاداً كاذباً مُلتئم به رعباً ) بغم ( أيكان حصل لكم من القتل والجراح والهزيمة، وسماه - وإن كان في صورة العقاب - باسم الثواب لأنه كان سبباً للسرور حين تبين أنه خبر كاذب، وأن النبي ( ﷺ ) حتى كأنهم - كما قال بعضهم - لم تصبهم مصيبة، فهو من الدواء بالداء، ثم علله بقوله :( لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ) أي من النصر والغنيمة ) ولا ما أصابكم ) أي من القتل والجراح والهزيمة لاشتغالكم عن ذلك بالسرور بحياة الرسول ( ﷺ ) ولما قص سبحانه وتعالى عليهم ما فعلوه ظاهراً وما قصدوه باطناً وما داواهم به قال - عاطفاً على ما تقديره : فالله سبحانه وتعالى خبير بما يصلح أعمالكم ويبرىء أدواءكم - :( والله ) أي المحيط علماً وقدرة ) خبير بما تعملون ) أي من خير وشر في هذه الحال وغيرها، وبما يصلح من جزائه ودوائه، فتارة يداوي الداء بالداء وتارة بالداواء، لأنه الفاعل القادر المختار.
ولما كان أمانهم بعد انخلاع قلوبهم بعيداً، ولا سيما بكونه بالنعاس الذي هو أبعد شيء عن ذلك المقام الوعر والمحل الضنك عطف بأداة البعد في قوله :( ثم أنزل عليكم ( لوما أفاد بأداة الاستعلاء عظمة الأمن، وكان متصلاً بالغم ولم يستغرق زمن ما بعده أثبت الجار فقال :( من بعدهم الغم ) أي المذكور وأنتم في نحر العدو ) أمنة ) أي أمناً عظيماً، ثم ابدل منها تنبيهاً على ما فيها من الغرابة قوله :( نعاساً ( دليلاَ قطعياً