صفحة رقم ٢٢٤
ولما بين سبحانه الأصول وفصل النزاع، وكان ذلك خلاف مألوفهم وكان الفطام عن المألوف في الذروة من المشقة، اقتضى الحال الوعظ بالترغيب والترهيب، فختم القصة بقوله :( والله ) أي الجامع لصفات الكمال من الجلال والجمال، وللإشارة إلأى عظيم الوصية كرر هذا الاسم الأعظم في جميع القصة، ثم قال ) عليم ) أي فلا يخفى عليه أمر من خالف بقول أو فعل، نية أو غيرها ) عليم ( فهو من شأنه أن لا يعاجل بالعقوبة فلا يعتر بإمهاله، فإنه أخذ بعد طول الأناة لم يفلت فاحذروا غضب الحليم وفي الوصفين مع التهديد استجلاب للتوبة.
النساء :( ١٣ - ١٥ ) تلك حدود الله.....
) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ( ( )
ولما كان فطم أنفسهم عن منع الأطفال والنساء شديداً عليهم لمرونهم عليه بمرور الدهور الطويلة على إطباقهم على فعله واستحسانهم له أتبعه سبحانه الترغيب والترهيب لئلا يغتر بوصف الحليم، فقال معظماً للأمر بأداة البعد ومشيراً إلى جميع ما تقدم من أمر المواريث والنساء واليتامى وغيره :( تلك ) أي هذه الحدود الجليلة النفع العظيمة الجدوى المذكورة من أول هذه السورة، بل من أول القرآن ) حدود الله ) أي الملك الأعظم، فمن راعاها - ولو لم يقصد طاعته، بل رفعاً لنفسه عن دناءة الإخلاد إلى الفاني ومعرة الاستئثار على الضعيف المنبىء عن البخل وسفول الهمة - نال خيراً كبيراً، فإنه يوشك أن يجره ذلك إلى أن يكون ممن يطيع الله ) ومن يطع الله ( الحائز لصفتي الجلال والإكرام ) ورسوله ) أي في جميع طاعاته هذه وغيرها، بالإقبال عليها وترك ما سواها لأجله سبحانه ؛ قال الأصبهاني :( من ) عام ووقوعه عقيب هذه التكاليف الخاصة لا يخصصه. ولما تشوف السامع بكلتيه إلأى الخبر التفت إليه تعظيما للأمر على قراءة نافع وابن عامر بالنون فقال ) ندخله جنات ) أي بساتين، وقراءة الجماعة بالياء عظيمة أيضا لبنائها على الأسم الأعظم وإن كانت هذه أشد تنشيطات بلذة الالتفات ) تجري من تحتها الأنهار ) أي لأن أرضها معدن المياه، ففي أي موضع أردت جرى نهر، فهي لا تزال يانعة غضة، وجمع الفائزين بدخول الجنة في قوله ) خالدين فيها ( تبشيرا بكثرة الواقف عند هذه الحدود، ولأن منادمة الإخوان من أعلى نعيم الجنان.


الصفحة التالية
Icon