صفحة رقم ٢٥٦
ولما ذكر الإحسان الذي عماده التواضع والكرم، ختم الآية ترغيباً فيه وتحذيراً من منعه معللاً للأمر به بقوله :( إن الله ) أي بما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى ) لا يحب ) أي لا يفعل فعل المحب مع ) من كان مختالاً ) أي متكبراً معجباً بنفسه متزيناً بحليته مرائياً بام آتاه الله تعالى من فضله على وجه العظم واحتقار الغير، يأنف من أن ينسب إليه أقاربه الفقراء، ويقذر جيرانه إذا كانوا ضعفاء، فلا يحسن إليهم لئلا يلمّوا به فيعيَّر بهم.
ولما كان المختال ربما أحسن رياء، قال معلماً أنه لا يقبل إلا الخالص :( فخوراً ( مبالغاً في التمدح بالخصال، يأنف من عشرة الفقراءن وفي ذلك أتم ترهيب من الخلق المانع من الإحسان، وهو الاختيال على عباد الله والافتخار عليهم ازدراء بهم، فإنه لا مقتضى لذلك لأن الكل من نفس واحدة، والفضل نعمة منه سبحانه، يجب شكرها بالتواضع لتدوم، ويحذر كفرها بالفخار خوفاً من أن تزول.
ولما كان الاختيال والفخر على الفرح بالأعراض الفانية والركون إليها والاعتماد عليها، فكانا حاملين على البخل خوفاً من زوالها ؛ قال واصفاً لهم بجملة من الأخلاق الرديئة الجيلة، ذلك منشأها :( الذين يبخلون ( ي يوقعون البخل بما حملهم من المتاع الفاني على الفخار، وقصره ليعم كتم العلم ونحوه ؛ ثم تلا ذلك بأسوأ منه فقال ) ويأمرون الناس بالبخل ( مقتاً للسخاء، وفي التعبير بما هو من النوس إشارة إلى أنهم لا يعقلون أطماعهم بذلك إلا بذوي الهمم السافلة والرتب القاصرة، ويحتمل أن يكون الأمر كناية عن حملهم غيرهم على البخل بما يرى من اختيالهم وافتخارهم عليهم ؛ ثم أتبع ذلك أخبث منه، وهو الشح بالكلام الذي لا يخشى نقصه وجحد النعمة وإظهار الافتقار فقال :( ويكتمون ما اتاهم الله ) أي الذي له الجلال والإكرام ) من فضله ) أي من العلم جاحدين أن يكون لهم شيء يجودون به.
قال الأصبهاني : ثم إن هذا الكتمان قد يقع على وجه يوجب الكفر، مثل أن يظهر الشكاية لله سبحانه وتعالى ولا يرضى بالقضاء.
ثم عطف على ) إن الله لا يحب ( ملتفتاً إلى مقام التكلم، دلالة على تناهي الغضب وتعييناً للمتوعد، مصرحاً بمظهر العظمة الذي دل عليه هناك بالاسم الأعظم قوله :( وأعتدنا ) أي أحضرنا وهيأنا، وكان الأصل : لهم، ولكنه قال - تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف، وإعلاماً بأن ذلك حامل على الكفر - :( للكافرين ) أي بفعل هذه