صفحة رقم ٢٦٤
طردهم الذي له جميع صفات العظمة والكمال، وأبعدهم عن الخير ) بكفرهم ) أي بدناءتهم بما يغطون من أنوار الحق ودلائل الخير، فلم يقولوا ذلك ولما سبب عن طردهم استمر كفرهم قال :( فلا يؤمنون ) أي يتجدد لهم إيمان ) إلا قليلاً ) أي منهم ؛ استثناء من الواو، فإنهم يؤمنون، أو هو استثناء مفرغ من مصدر يؤمن أي من إيمانهم ببعض الآيات الذي لا ينفعها لكفرهم بغيره.
النساء :( ٤٧ - ٤٨ ) يا أيها الذين.....
) يَاأَيُّهَآ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ( ( )
ولما بكتهم على فعلهم وقولهم وصرح بلعنهم، خوَّفهم إظهار ذلك في الصور المحسوسة فقال مقبلاً عليهم إقبال الغضب :( ياأيها الذين ( منادياً لهم من محل البعد ) أوتوا الكتاب ( ولم يسند الإيتاء إليه تحقيراً لهم، ولم يكتف بنصيب منه لأنه لا يكفي في العلم بالمصادقة إلا الجميع ) آمنوا بما نزلنا ) أي تدريجاً كما نزلنا التوراة كذلك، على ما لنا من العظمة التي ظهرت في إعجازه وإخباره بالمغيبات ودقائق العلوم مما عندكم وغيره على رشاقته وإيجازه ؛ وأعلم بعنادهم وحسدهم بقوله :( مصدقاً لما معكم ( من حيث أنهم له مستحضرون، وبه في حد ذاته مُقِّرون.
ولما أمرهم وقطع حجتهم، حذرهم فقال - مخففاً عنهم بالإشارة بحرف الجر إلى أنه متى وقع منهم إيمان في زمن مما قبل الطمس أخره عنهم - :( من قبل أن نطمس ) أي نمحو ) وجوهاً ( فإن الطمس في اللغة : المحو ؛ وهو يصدق بتغيير بعض الكيفيات، ثم سبب عن ذلك قوله :( فنردها ( فالتقدير : من قبل أن نمحو أثر وجوه بأن نردها ) على أدبارها ) أي بأن نجعل ما إلى جهة القبل من الرأس إلى جهة الدبر، وما إلى الدبر النقل من حال إلى ما دونها من ضدها بجعلها على حال القفا، ليس فيها معلم من فم ولا غيره، ليكون المعنى بالطمس مسح ما في الوجه من المعاني ؛ قال ابن هشام : نطمس : نمسحها فنسويها، فلا يرى فيها عين ولا أنف ولا فم ولا شيء مما يرى في الوجه، وكذلك ) ) فطمسنا أعينهم ( ) [ القمر : ٣٧ ] المطموس العين : الذي ليس بن جفنيه شق، ويقال : طمست الكتاب والأثر فلا يرى منه شيء.
ويكون الوجه في هذا التقدير على حقيقته ؛ ثم خوفهم نوعاً آخر من الطمس فقال عاطفاً على ( نردها ) :( أو نلعنهم (