صفحة رقم ٢٨١
في بعث ذوي الهمم العالية والمكارم على القتال، ثم وصفهم بما يهيج إلى نصرهم ويحث على غياثهم فقال :( الذين يقولون ) أي لا يفترون ) ربنا ) أي أيها المحسن إلينا بإخراجنا من الظلمات إلى النور ) أخرجنا من هذه القرية ( ثم وصفوها بالحامل على هذا الدعاء فقالوا :( الظالم أهلها ) أي بما تيسره لنا من الأسباب ) واجعل لنا من لدنك ) أي من أمور العجيبة في الأمور الخارقة للعادات ) ولياً ( يتولى مصالحنا.
ولما كان الولي قد لا يكون فيه قوة النصر قالوا :( واجعل لنا ( ولما كانوا يريدون أن يأتيهم خوارق كرروا قولهم :( من لدنك نصيراً ) أي بليغ النصر إلى حد تعجب منه المعتادون للخوارق، فكان بهذا الكلام كأنه سبحانه وتعالى قال : قد جعلت لكم الحظ الأوفر من الميراث، فما لكم لا تقاتلون في سبيلي شكراً لنعمتي وأين ما تدّعون من الحمية والحماية ما لكم لا تقاتلون في نصر هؤلاء الضعفاء لتحقق حمايتكم للذمار ومنعكم للحوزة وذبكم عن الجار.
ولما أخبر عن افتقارهم إلى الأنصار وتظلمهم من الكفار، استأنف الإخبار عن الفريقين فقال مؤكداً للترغيب في الجهاد :( الذين آمنوا ) أي صدقوا في دعواهم الإيمان ) يقاتلون ) أي تصديقاً لدعواهم من غير فترة أصلاً ) في سبيل الله ) أي الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال قاصدين وجهه بحماية الذمار وغيره، وأما من لم يصدق دعواه بهذا فما آمن ) والذين كفروا يقاتلون ) أي كذلك ) في سبيل الطاغوت ( فلا ولي لهم ولا ناصر.
ولما كان الطاغوت الشيطان أو من زينة الشيطان، وكان كل من عصى الله منه وممن أغواه حقيراً ؛ سبب عن ذلك قوله :( فقاتلوا أولياء الشيطان ( ثم علل الجرأة عليهم بقوله :( إن كيد الشيطان ) أي الذي هو رأس العصاة ) كان ( جبلة وطبعاً ) ضعيفاً ( ولما عرفهم هذه المفاوز الأخروية والمفاخر الدنيوية، وختم بما ينهض الجبان، ويقوي الحنان، ورغبهم بما شوق إليه من نعيم الجنان ؛ عجب من حال من توانى بعد ذلك واستكان، فقال تعالى مقبلاً بالخطاب على أعبد خلقه وأطوعهم لأمره :( ألم تر ( وأشار إلى أنهم بمحل بعد عن حضرته تنهيضاً لهم بقوله :( إلى الذين قيل لهم ) أي جواباً لقولهم : إنا نريد أن نبسط ايدينا إلى الكفار بالقتال لأن امتحاننا بهم قد طال ) كفوا أيديكم ) أي ولا تبسطوها إليهم فإنا لم نأمر بهذا ) وأقيموا الصلاة ) أي صلة بالخالق واستنصاراً على المشاقق ) وأتوا الزكاة ( منماة للمال وطهرة للأخلاق وصلة للخلائق ) فلما كتب عليهم القتال ) أي الذي طلبوه وهم يؤمرون بالصفح، كتابة لا تنفك إلى آخر