صفحة رقم ٢٨٢
الدهر ) إذا فريق منهم ) أي ناس تلزم عن فعلهم الفرقة، فأحبوا هذه الكتب بأنهم ) يخشون الناس ) أي الذين هم مثلهم، أن يضروهم، والحال أنه يقبح عليهم أن يكونوا أجراً منهم وهم ناس مثلهم ) كخشية الله ) أي مثل ما يخشون الله الذي هو القادر لا غيره.
ولما كان كفهم عن القتال شديداً يوجب لمن يراه منهم أن يظن بهم من الجبن ما يتردد به في الموازنة بين خوفهم من الناس وخوفهم من الله، عبر بأداة الشك فقال :( أو أشد خشية ) أي أو كانت خشيتهم لهم عند الناظر لهم أشد من خشيتهم نم الله، فقد أفاد هذا أن خوفهم من الناس ليس بأقل من خوفهم من الله جزماً بل إما مثله أو أشد منه ؛ وقد يكون الإبهام لتفاوت بالنسبة إلى وقتين، فيكون خوفهم منه في وقت متساوياً، وفي آخر أزيد، فهو متردد بين هذين الحالين ؛ ويجوز أن يكون ذلك كناية عن كراهتهم القتال في ذلك الوقت وتمنيهم لتأخيره إلى وقت ما.
وأيد ما تقدم من الظن بقوله ما هو كالتعليل للكراهة :( وقالوا ( جزعاً من الموت أو المتاعب - إن كانوا مؤمنين، أو اعتراضاً - إن كانوا منافقين، على تقدير صحة ما يقول الرسول ( ﷺ ) ) ربنا ) أي أيها المحسن إلينا القريب منا ) لم كتبت علينا القتال ) أي ونحن الضعفاء ) لولا ) أي هلا ) أخرتنا ) أي عن الأمر بالقتال ) إلى أجل قريب ) أي لنأخذ راحة مما كنا فيه من الجهد من الكفار بمكة، ( وسبب نزولها أن عبد الرحمن بن عوف والمقداد بن الأسود الكندي وقدامة بن مظعون وسعد بن أي وقاص وجماعة رضي الله عنهم كانوا يلقون من المشركين بمكة أذى كثيراً قبل أن يهادروا، ويقولون : يا رسول الله إئذن لنا في قتالهم فإنهم قد آذونا، فيقول لهم رسول الله ( ﷺ ) : كفوا أيديكم، فإني لم أومر بقتالهم، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فلما هاجروا إلى المدينة وأمرهم الله سبحانه وتعالى بقتال المشركين شق ذلك على بعضهم ) حكاه البغوي عن الكلبي، وحكاه الواحدي عنه بنحوه، وروي بسنده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عبد الرحمن ابن عوف وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أتوا النبي ( ﷺ ) بمكة فقالوا : يا رسول الله كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة، فقال :( إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا القوم ) فلما حوله الله تعالى إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا، فأنزل الله عز وجل ) ألم إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ( الآية.
وهذا يفهم أن نسبة القول إليهم إنما هي


الصفحة التالية
Icon