صفحة رقم ٣٠٢
الله ) أي الذي له صفات الكمال ) المجاهدين ( ولما كان المال في أول الأمر ضيقاً قال مقدماً للمال :( بأموالهم وأنفسهم ) أي جهاداً كائناً بالفعل ) على القاعدين ) أي عن ذلك وهم متمكنون منه بكونهم في دار الهجرة ) درجة ) أي واحدة كاملة لأنهم لم يفوقوهم بغيرها، وفي البخاري في المغازي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :( لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر ).
ولما شرك بين المجاهدين والقاعدين بقوله :( وكلاً ) أي من الصنفين ) وعد الله ) أي المحيط بالجلال والإكرام أجراً على إيمانهم ) الحسنى ( بين أن القاعد المشارك إنما هو الذي يه قوة الجهاد القريبة من الفعل، وهو التمكن من تنفيذ الأمر بسبب هرجته الأرض الحرب وكونه بين أهل الإيمان، وأما القاعد عن الهجرة مع التمكن فليس بمشارك في ذلك، بل هو ظالم لنفسه فإنه ليس متمكناً من تنفيذ الأوامر فلا هو مجاهد بالفعل ولا بالقوة القريبة منه، فقال :( وفضل الله ) أي الملك الذي لا كفوء له فلا يجبر عليه ) المجاهدين ) أي بالفعل مطلقاً بالنفس أو المال ) على القاعدين ) أي عن الأسباب الممكنة من الجهاد ومن الهجرة ) أجراً عظيماً ( ثم بينه بقوله :( درجات ( وعظمها بقوله :( منه ( وهي درجة الهجرة، ودرجة التمكن من الجهاد بعد الهجرة ودرجة مباشرة الجهاد بالفعل.
ولما كان الإنسان لا يخلو عن زلل وإن اجتهد في العمل قال :( ومغفرة ) أي محواً لذنوبهم بحيث أنها لا تذكر ولا يجازى عليها ) ورحمة ) أي كرامة ورفعة ) وكان الله ) أي المحيط بالأسماء الحسنى والصفات العلى ) غفوراً رحيماً ( أزلاَ وأبدأ، لم يتجدد له ما لم يكن ؛ ثم علل ذلك بأبلغ حث على الهجرة فقال :( إن الذين توافاهم الملائكة ) أي تقبض أرواحهم كاملة على ما عندهم من نقص بعض المعاني بما تركوا من ركن الهجرة بما أشارة إليه حذف التاء، وفي الحذف إرشاد إلى أنه إذا ترك من يسعى في جبره بصدقة أو حج ونحوه من أفعال البر جُبر، لأن الأساس الذي تبنى عليه الأعمال الصالحة موجود وهو الإيمان ) ظالمي أنفسهم ) أي بالقعود عن الجهاد بترك الهجرة والإقامة في بلاد الحرب حيث لا يتمكنون من إقامة شعائر الدين كلها ) قالوا ) أي الملائكة موبخين لهم ) فيم كنتم ) أي في أي شيء من الأعمال والأحوال كانت إقامتكم في بلاد الحرب.


الصفحة التالية
Icon