صفحة رقم ٣٠٩
ولما كان الله - وله المنّ - قد رفع عن هذه الأمة الحرج، وكان المطر والمرض شاقين قال :( ولا جناح ) أي حرج ) عليكم إن كان بكم أذى ) أي وإن كان يسيراً ) من مطر ) أي لأن حمل السلاح حينئذ يكون سبباً لبلّه ) أو كنتم مرضى ) أي متصفين بالمرض وكأن التعبير بالوصف إشارة إلى أن ادنى شيء منه لا يرخص ) أن تضعوا أسلحتكم ) أي لأن حملها يزيد المريض وهنا.
ولما خفف ما أوجبه أولاً من أخذ السلاح برفع الجناح في حال العذر، فكان التقدير : فضعوه إن شئتم ؛ عطف عليه بصيغة الأمر إشارة إلى وجوب الحذر منهم في كل حال قوله :( وخذوا حذركم ) أي في كل حالة، فإن ذلك نفع لا يتوقع منه ضرر ؛ ثم علل ذلك بما بشر فيه بالنصر تشجيعاً للمؤمنين، وإعلاماً بأن الأمر بالحزم إنما هو للجري على ما رسمه من الحكمة في قوله - ربط المسببات بالأسباب، فهو من باب ( اعقلها وتوكل ) فقال :( إن الله ( المحيط علماً وقدرة ) أعدَّ ) أي في الأزل ) للكافرين ) أي الدائمين على الكفر، لا من اتصف به وقتاً ما وتاب منه ) عذاباً مهيناً ) أي يهينهم به، من أعظمه حذركم الذي لا يدع لهم عليكم مقدماً، ولا تمكنهم معه منكم فرصة.
النساء :( ١٠٣ - ١٠٦ ) فإذا قضيتم الصلاة.....
) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَآءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ( ( )
ولما علمهم بما يفعلون في الصلاة حال الخوف، أتبع ذلك ما يفعلون بعدها لئلا يظن أنها تغني عن مجرد الذكر، فقال مشيراً إلى تعقيبه به :( فإذا قضيتم الصلاة ) أي فرغتم من فعلها وأديتموها على حالة الخوف أو غيرها ) فاذكروا الله ) أي بغير الصلاة لأنه لإحاطته بكل شيء يستحق أني راقب فلا ينسى ) قياماً وقعوداَ وعلى جنوبكم ) أي في كل حالة، فإن ذكره حصنكم في كل حالة من كل عدو ظاهر أو باطن.
ولما كان الذكر أعظم حفيظ للعبد، وحارس من شياطين الإنس والجن، ومسكن للقلوب ) ) ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( ) [ الرعد : ٢٨ ] ؛ اشار إلى ذلك بالأمر بالصلاة حال الطمأنينة، تنبيهاً على عظم قدرها، وبياناً لأنها أوثق عرى الدين وأقوى دعائمه