صفحة رقم ٣١٦
ولما كان هذا لا يكون إلا مع العلم والحكمة قال تعالى :( وكان الله ) أي الذي له كمال الإحاطة أزلاً وأبداً ) عليماً ) أي بالغ العلم بدقيق ذلك وجليله، فلا يترك شيئاً منه ) حكيماً ( فلا يجازيه إلا بمقدار ذنبه، وإذا أراد شيئاً وضعه في أحكم مواضعه فلا يمكن غيره شيء من نقضه.
النساء :( ١١٢ - ١١٦ ) ومن يكسب خطيئة.....
) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ( ( )
ولما ذكر ما يخص الإنسان من إثمه أتبعه ما يعديه إلى غيره فقال :( ومن يكسب خطيئة ) أي ذنباً غير متعمد له ) أو إثماً ) أي ذنباً تعمده.
ولما كان البهتان شديداً جداً قلَّ من يجترىء عليه، أشار إليه بأداة التراخي فقال :( ثم يرم به بريئاً ) أي ينسبه إلى من لم يعمله - كما فعل طعمة باليهودي، وابن أبي بالصديقة رضي الله تعالى عنها.
وعظم جرم فاعل ذلك بصيغة الافتعال في قوله :( فقد احتمل ( وبقوله :( بهتاناً ) أي خطر كذب يبهت المرمى به لعظمه، وكأنه إشارة إلى ما يحلق الرامي في الدنيا من الذم ) وإثماًَ ) أي ذنباً كبيراً ) مبيناً ( يعاقب به في الآخرة، وإنما كان مبيناً لمعرفته بخيانة نفسه وبراءة المرمى به، ولأن الله سبحانه وتعالى أجرى عادته الجميلة أن يظهر براءة المقذوف به يوماً ما بطريق من الطرق ولو لبعض الناس.
ولما وعظ سبحانه وتعالى في هذه النازلة وحذر ونهى وأمر، بين نعمته على نبيه ( ﷺ ) في عصمته عما أرادوه من مجادلته عن الخائن بقوله تعالى :( ولولا فضل الله ) أي الملك الأعلى ) عليك ) أي بإنزال الكتاب ) ورحمته ) أي بإعلاء أمرك وعصمتك من كل ذي كيد وحفظك في أصحابك الذين أتوا يجادلون عن ابنعمهم سارق الدرع في التمسك بالظاهر وعدم قصد العناد ) لهممت طائفة منهم ) أي فرقة فيها أهلية الاستدارة والتخلق، لا تزال تتخلق فتفيل الآراء وتقلب الأمور وتدير الأفكار في ترتيب ما تريد ) أن يضلوك ) أي يوقعوك في ذلك بالحكم ببراءة طعمة، ولكن الله حفظك في أصحابك فما همموا بذلك، وإنما قصدوا المدافعة عن صاحبهم بام لم يتحققوه، ولو


الصفحة التالية
Icon