صفحة رقم ٣٢
يحذف من كل منهما شيء إيجازاً، يدل ما ذكر من كل على ما حذف من الآخر، وبعبارة أخرى : هو أن يحذف من كل جملة شيء إيجازاً ويذكر في الجملة الأخرى ما يدل عليه.
ولما نبه سبحانه وتعالى على الاعتبار بذكر الآية نبه على موضعها بقوله :( يرونهم ( وضمن يرى البصيرية القاصرة على مفعول واحد فعل الظن، وانتزع منه حالاً ودل عليها بنصب مفعول ثان فصار التقدير : ظانيهم ) مثليهم ( فعلى قراءة نافع بالتاء الفوقانية يكون المعنى : ترون أيها المخاطبون الكفار المقاتلين للمؤمنين، وعلى قراءة غيره بالغيب المعنى، يرى المسلمون الكفار مثلي المسلمين ) رأي العين ) أي بالحزر والتخمين، لا بحقيقة العدد، هذا أقل ما يجوزونه فيهم، وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ومع ذلك فجزاهم الله على مصادمتهم ونصرهم عليهم، أو يرى الكفار المسلمين مثلي الكفار مع كونهم على الثلث من عدتهم، كما هو المشهور في الآثار تأييداً من الله سبحانه وتعالى لأوليائه ليرعب الأعداء فينهزموا، أو يرى الكفار المسلمين ضعفي عدد المسلمين قال الحرالي : لتقع الإراءة على صدقهم في موجود الإسلام الظاهر والإيمان الباطن، فكان كل واحد منهم بما هو مسلم ذاتاً، وبما هو مؤمن ذاتاً، فالمؤمن المسلم ضعفان أبداً
٧٧ ( ) فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين ( ) ٧
[ الأنفال : ٦٦ ] وذلك بما أن الكافر ظاهر لا باطن له فكان ذات عين، لا ذات قلب له، فكان المؤمن ضعفه، فوقعت الإراء للفئة المؤمنة على ما هي عليه شهادة من الله سبحانه وتعالى بثبات إسلامهم وإيمانهم، وكان ذلك أدنى الإراءة لمزيد موجود الفئة المقاتلة في سبيل الله بمقدار الضعف الذي هو أقل الزيادة الصحيحة، وأما بالحقيقة فإن التام الدين بما هو مسلم مؤمن صاحب يقين إنما هو بالحقيقة عشر تام نظير موجود الوجود الكامل، فهو عشر ذوات بما هو صاحب يقين ودين
٧٧ ( ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( ) ٧
[ الأنفال : ٦٥ ] انتهى.
وهذا التقليل والتكثير واقع بحسب أول القتال وآخره، وقبل اللقاء وبعده، لما أراد الله سبحانه وتعالى من الحكم كما في آية الأنفال، والمعنى : إنا فاعلون بكم أيها الكفارعلى أيديهم ما فعلناه بأولئك، وقد كانوا قائلين أعظم من مقالاتكم، فلم تغن عنهم كثرتهم شيئاً، ولا شدة شكيمتهم ونخوتهم فإن الله سبحانه وتعالى ولي المؤمنين لطيبهم
٧٧ ( ) قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث ( ) ٧
[ المائدة : ١٠٠ ].
ولما كان التقدير : فنصر الله سبحانه وتعالى الفئة القليلة، عطف عليه قوله :( والله ) أي الذي له الأمر كله ) يؤيد ( والأيد تضعيف القوة الباطنة ) بنصره ( قال


الصفحة التالية
Icon