صفحة رقم ٣٣
الحرالي : والنصر لا يكون إلا لمحق، وإنما يكون لغير المحق الظفر والانتقام انتهى.
) من يشاء ) أي فلا عجب فيه في التحقق، فلذلك اتصل به قوله :( إن في ذلك ) أي الأمر الباهر، وفي أداة البعد كما قال الحرالي إشارة بعد إلى محل علو الآية ) لعبرة ( قال : هي المجاوزة من عدوة دنيا إلى عدوة قصوى، ومن علم أدنى إلى علم أعلى، ففي لفظها بشرى بما ينالون من ورائها مما هو أعظم منها إلى غاية العبرة العظمى من بدر ثلاثمائة ثلاثة عشر، فهو غاية العبرة لمن له بصر نافذ ونظر جامع بين البداية والخاتمة
٧٧ ( ) كما بدأنا أول خلق نعيده ( ) ٧
[ الأعراف : ١٠٤ ] - انتهى.
) لأولي الأبصار ) أي يصيرون بها من حال إلى أشرف منها في قدرة الله وعظمته وفعله بالاختيار.
قال الحرالي : أول موقع العين على الصورة نظر، ومعرفة خبرتها الحسية بصر، ونفوذه إلى حقيقتها رؤية، فالبصر متوسط بين النظر والرؤية كما قال سبحانه وتعالى :
٧٧ ( ) وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ( ) ٧
[ الأعراف : ١٩٨ ] فالعبرة هي المرتبة الأولى لأولي الأبصار الذين يبصرون الأواخر بالأوائل، فأعظم غلبة بطشه في الابتداء غلبة بدر، وأعظمها في الانتهاء الغلبة الخاتمة التي لا حرب وراءها، التي تكون بالشام في آخر الزمان - انتهى.
ولما علم بهذا أن الذي وقف بهم عن الإيمان من الأموال والأولاد وسائر المتاع إنما هو شهوات وعرض زائل، لا يؤثره على اتباع ما شرعه الملك إلا من انسلخ من صفات البشر إلى طور البهائم التي لا تعرف إلا الشهوات، وختمت بذكر آية الفئتين كان كأنه قيل : الآية العلامة، ومن شأنها الظهور، فما حجبها عنهم ؟ فقيل : تزيين الشهوات لمن دنت همته.
وقال الحرالي : لما أظهر سبحانه وتعالى في هذه السورة ما أظهره بقاء لعلن قيوميته من تنزيل الكتاب الجامع الأول، وإنزال الكتب الثلاثة : إنزال التوراة بما أنشاء عليه قومها من وضع رغبتهم ورهبتهم في أمر الدنيا، فكان وعيدهم فيها ووعدهم على إقامة ما فيها إنما هو برغبة في الدنيا ورهبتها، لأن كل أمة تدعى لنحو ما جبلت عليه من رغبة ورهبة، فمن مجبول على رغبة ورهبة في أمر الدنيا، ومن مجبول على ما هو من نحو ذلك في مر الآخرةن ومن مفطور على ما هو من غير ذلك من أمر الله، فيرد خطاب كل أمة وينزل عليها كتابها من نحو ما جبلت عليه، فكان كتاب التوراة كتاب رجاء ورغبة وخوف ورهبة في موجود الدنيا، وكان كتاب الإنجيل كتاب دعوة إلى مكلوت الآخرة، وكانا متقابلين، بينهما ملابسة، لم يفصل أمرهما فرقان واضح، فكثر فيهما الاشتباه، فأنزل الله تعالى الفرقان لرفع لبس ما فيهما فأبان فيه المحكم والمتشابه


الصفحة التالية
Icon